للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن حجر: (وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين، لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عاماً، انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاماً وهي نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك. وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها) (١).

٣ - ومن مناقبها رضي الله عنها التي تدل على شرفها وجلالة قدرها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء عليها والمدح لها وما يسرها في حياتها حيث يصل من يودها.

فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد)) (٢).

وروى مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة لكثرة ذكره إياها)) (٣).

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت: فغرت يوماً فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها قال: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء)) (٤).

في هذه الأحاديث المتقدمة (ثبوت الغيرة وأنه غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً عمن دونهن، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة أكثر، وقد بينت ذلك وأنه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها ... وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة) (٥).

قال القرطبي: (كان حبه صلى الله عليه وسلم لها لما تقدم ذكره من الأسباب، وهي كثيرة كل منها سبب في إيجاد المحبة) (٦).

وقال ابن العربي عند ذكر فضائلها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها فرعاها حية وميتة برها موجودة ومعدومة وأتى بعد موتها ما يعلم أن يسرها لو كان في حياتها. ومن هذا المعنى ما روي من أن ((من البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)) (٧).) (٨).

٤ - ومن مناقبها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن حبه لها كان رزقاً من الله رزقه إياه.

فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رزقت حبها)) (٩).

ففي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لخديجة رضي الله عنها.


(١) ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٧).
(٢) رواه البخاري (٣٨١٨).
(٣) رواه مسلم (٢٤٣٥).
(٤) رواه أحمد (٦/ ١١٧) (٢٤٩٠٨). قال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): حديث صحيح.
(٥) ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٦) فيما نقله عنه ابن حجر في ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٧).
(٧) رواه مسلم (٢٥٥٢).
(٨) ((عارضة الأحوذي بشرح الترمذي)) (١٣/ ٢٥٢).
(٩) رواه مسلم (٢٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>