للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام النووي عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((رزقت حبها)): (فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت) (١).

٥ - ومما يدل على فضلها وجلالة قدرها أن الله سبحانه وتعالى أرسل إليها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب ولا نصب)) (٢).

ورويا أيضا بإسنادهما إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: (قلت لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما بشر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة؟ قال: نعم، ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب) (٣).

وفي ذلك منقبتان عظيمتان لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها:

الأولى: إرسال الرب جل وعلا سلامه عليها مع جبريل وإبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها (٤).

الثانية: البشرى لها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

قال السهيلي: (لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام إلا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضاً غيرها، قال: وجزاء الفعل يذكر غالباً بلفظه وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر) (٥).

وقال الحافظ ابن حجر: (وفي البيت معنى آخر لأن مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب: ٣٣] قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعلياً والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) الحديث أخرجه الترمذي وغيره (٦). ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة لأن الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها) (٧).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قصب)) قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف، قال الحافظ وعند الطبراني في (الأوسط) من حديث فاطمة قالت قلت: ((يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب. قلت: أمن هذا القصب؟ قال: لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت)) (٨).


(١) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٥/ ٢١٠).
(٢) رواه البخاري (٣٨٢٠)، ومسلم (٢٤٣٢).
(٣) رواه البخاري (٣٨١٩)، ومسلم (٢٤٣٣).
(٤) ((زاد المعاد)) لابن القيم (١/ ١٠٥).
(٥) ((الروض الأنف)) (١/ ٢٧٨ - ٢٧٩)، وانظر: ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٨).
(٦) رواه الترمذي (٣٨٧١)، وأحمد (٦/ ٣٠٤) (٢٦٦٣٩)، وأبو يعلى (١٢/ ٤٥١) (٧٠٢١)، والحاكم (٢/ ٤٥١). قال الترمذي: حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (٢/ ٢٩٧): له طرق.
(٧) ((فتح الباري)) (٧/ ١٣٨).
(٨) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (١/ ١٣٩) (٤٤٠). قال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (٢/ ٢٣٦): غريب وله شاهد في الصحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٢٦): رواه الطبراني في ((الأوسط)) من طريق مهاجر بن ميمون عنها، ولم أعرفه ولا أظنه سمع منها والله أعلم، وبقية رجاله ثقات، وقال الشوكاني في ((در السحابة)) (٢٤٧): إسناده رجاله ثقات غير مهاجر بن ميمون فإنه لا يعرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>