للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عطية: (وبهذه الآية قيل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: الطيبات المبرآت) (١)، وعلى كافة الأقوال فالآية شاهدة لعائشة بالبراءة والنزاهة من الأدناس، أما على القول الثاني والثالث فظاهر، وأما على القول الأول؛ فلأنها كانت سبب النزول فتكون أولى من دخل في مصداق الآية، وقد ثبت في السنة المطهرة ذلك ففي حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة أما الله فقد برأك)) (٢).

والذي يظهر أن البراءة في هذا الموضع تختلف عن البراءة في صدر الآيات، فالبراءة في صدر الآيات من التهمة الشنيعة والبراءة في آخر الآيات من عموم الأدناس والتهم وهذا أحسن من القول بالتأكيد؛ لأن التأسيس مقدم على التأكيد على ما قرره علماء التفسير (٣).

وإذا تقرر هذا، علمنا أن من فضائل عائشة رضي الله عنها أن الله ذكر أمر تطهيرها في القرآن الكريم في موضعين:

الأول: حين الحديث عن آيات أمهات المؤمنين في (سورة الأحزاب).

والثاني: في هذا الموضع من (سورة النور).

وعليه فيكون هذا الأمر مما تميزت به عائشة من أهل البيت وبقية الصحابة.

الفضيلة التاسعة: الشهادة لها بالجنة:

من فضائل عائشة رضي الله عنها أنها بشرت بالجنة في قوله تعالى: أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: ٢٦].

فقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الرزق الكريم في الآية الجنة (٤).

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: (أي عند الله في جنات النعيم وفيه وعد بأن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة) (٥).

وقد سلم بهذا بعض مفسري الشيعة (٦).

ويشهد لهذا التفسير قوله تعالى: وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب: ٣١].

فإن المراد به الجنة بقرينة أعتدنا، والقرآن يفسر بعضه بعضاً (٧).

ويلاحظ أن هذه الآية الكريمة التي تبشر أم المؤمنين بالجنة، لم تقيد ذلك بقيد مما يقطع بأن عائشة رضي الله عنها في الجنة بدلالة القرآن الكريم، ومثلها في ذلك بقية أمهات المؤمنين (٨).

وهذه الدلالة نبه عليها ابن عباس في عبارته لأم المؤمنين في مرض وفاتها حيث سمعها تقول: أعوذ بالله من النار فقال ابن عباس: (ما لك وللنار يا أم المؤمنين أعاذك الله منها) (٩).

ولعله لأجل هذه الفضائل القرآنية وغيرها، كانت لها المكانة العظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (والله ما كان على الأرض نسمة أحب إلى رسول الله منك (أي عائشة)، ثم استدركت فقالت: أستغفر الله بعد أبيها) (١٠).

ورغم هذه الفضائل المتعددة كتاباً وسنة كانت تقول في مرض موتها بعد ثناء ابن عباس عليها: (دعني منك يا ابن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً) (١١)، فرضي الله عنها وأرضاها. آيات آل البيت في القرآن الكريم لمنصور بن حمد العيدي – ص: ٢٠٦

٢ - فضل عائشة في السنة


(١) ((المحرر الوجيز)) (١٠/ ٤٧٥).
(٢) حديث قصة الإفك رواه البخاري (٤١٤١)، ومسلم (٢٧٧٠). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٣) ((قواعد التفسير)) (٢/ ٧٠٢).
(٤) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٨٦)، ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٧٠)، ((روح المعاني)) (١٨/ ١٣١ - ١٣٢)، ((الحجج الباهرة)) (ص: ٣٧٣).
(٥) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٣٥).
(٦) ((تفسير شبر)) (ص: ٣٥٢).
(٧) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٣١ - ١٣٢).
(٨) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٧٠).
(٩) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٦٧)، والحديث رواه البخاري (٤٧٥٣).
(١٠) رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (٣/ ٢٣٧).
(١١) الحديث رواه البخاري (٤٧٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>