للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ضبطت كلمة (خلفت) بالفاء: خلفت، أي: تركت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته طيبة (١).

وحيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الطيبين فتكون عائشة من أطيب الطيبات بدلالة الآية، وقد نص على ذلك من اختار القول الثاني.

قال الرازي: (ولا أحد أطيب ولا أطهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزواجه إذن لا يكن إلا طيبات) (٢)، وجمع رحمه الله بين قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ [آل عمران: ١٢١]، حيث غدا يوم أحد من بيت عائشة وبين هذه الآية فقال: (فدل هذا النص على أنها مطهرة مبرأة من كل قبيح) (٣).

قال ابن تيمية: (أخبر تعالى أن النساء الخبيثات للرجال الخبيثين فلا تكون خبيثة لطيب؛ فإنه خلاف الحصر، وأخبر أن الطيبين للطيبات فلا يكون طيب لخبيثة؛ فإنه خلاف الحصر، إذ قد ذكر أن جميع الخبيثات للخبيثين فلا يبقى خبيثة لطيب ولا طيب لخبيثة) (٤).

وقال ابن القيم: (وعرف أهل المعرفة بالله ورسوله، أن المرأة الخبيثة لا تليق إلا بمثلها كما قال تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (٥).

والقول الآخر في هذه الآية: أن المراد بالطيب والخبيث الكلمات، فالكلمات الخبيثات أولى بأهل الخبث والقبح، والكلام الطيب أولى بأهل الطيب (٦).

والفضيلة ثابتة لعائشة حتى على هذا القول.

قال ابن كثير: (فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم أولى به وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم) (٧).

ورأى رحمه الله أن القولين متلازمان قال: (وهذا –القول الأول- يرجع إلى ما قاله أولئك – القول الثاني – باللازم) (٨).

وذلك؛ لأنها طيبة فلا يصلح لها، إلا الكلام الطيب، ومن تكلم فيها كان أحق بالكلام الخبيث.

وتفرع على هذه الفضيلة فضيلة أخرى وهي: أن الله تعالى مدح مادح عائشة وذم ذامها.

يقول الشوكاني في هذه الآية: (هذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبث ومدح للذين برؤها) (٩)، وتبعه صديق حسن وهذا شرف أي شرف، أن يفيض الثناء على المحسن حتى يصل لمن أثنى عليه وهذا فضل من الله عظيم يؤتيه من يشاء، واختيار منه سبحانه مبني على الحكمة قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء [آل عمران: ٧٣]، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص: ٦٨].

الفضيلة الثامنة: الشهادة لها بالبراءة والنزاهة من الأدناس:

قال تعالى: أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: ٢٦].

اتفق المفسرون على أن الضمير في قوله تعالى: أُوْلَئِكَ عائد إلى الطيبات والطيبين بمراعاة الخلاف في معنى الطيبات والطيبين، فقيل إن الضمير عائد إلى كل طيب وطيبة.

قال ابن جرير: (الطيبون من الناس مبرؤون من خبيثات القول) (١٠).

وقيل عائد إلى عائشة وصفوان، فهم منزهون من أقوال أهل الافتراء (١١)، وقيل إنها في كافة الأزواج.


(١) لم أقف على من ذكر هذا القول.
(٢) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٧٠).
(٣) ((مفاتيح الغيب)) (٨/ ١٨٠).
(٤) ((محاسن التأويل)) (١٢/ ٤٤٧٤).
(٥) ((زاد المعاد)) (٣/ ٦٢).
(٦) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٨٤، ٨٥)، ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٣٤).
(٧) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٣٤).
(٨) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٣٥).
(٩) ((فتح القدير)) (٤/ ١٨).
(١٠) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٨٦).
(١١) ((زاد المسير)) (٦/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>