للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما فهمه الألوسي حيث قال: (ولعل فائدة هذا العلم يأسهم من إنقاذ أحد إياهم ... أو تبين خطأهم في رميهم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباطل لما أن حقيته تأبى كونه عز وجل حقا أي موجداً للأشياء بحسب ما تقتضيه الحكمة، وكذا تأبى كونه عز وجل حقاً أي واجباً لذاته بناء على أن الوجوب الذاتي يستتبع الاتصاف بالحكمة بل لجميع الصفات الكاملة) (١).

ولئن عذر من رماها قبل التنزيل لغفلة أو جهل فلا مجال لإعذار من قدح فيها رضي الله عنها بعد التنزيل؛ إذ أن الحجة القرآنية قد قامت عليه من كل وجه.

الفضيلة السادسة: الشهادة لها بالإحصان والإيمان:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: ٢٣].

يرى بعض أهل التفسير أن هذه الآية خاصة في أم المؤمنين عائشة، ويرى بعضهم أنها تعمها وأمهات المؤمنات، ويرى بعضهم أنها في عموم المؤمنات.

وعلى كافة هذه الأقوال فدخول عائشة رضي الله عنها فيها قطعي؛ إذ أنها سبب نزول الآية (٢).

ففي حديث قصة الإفك، بشر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وتلا عليها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ ... الآية (٣)، وهذا نص في كون هذه الآية من آيات الإفك وسبب النزول قطعي الدخول في الآية ولا يخرج بالتخصيص بحال، كما نص على ذلك أهل العلم في كتب علوم القرآن (٤).

وعليه فيكون من فضائل عائشة رضي الله عنها أنها مؤمنة، محصنة بنص القرآن الكريم.

وقد أورد الزمخشري إشكالاً وأجاب عليه، وهو أنه إذا أريد وحدها فلماذا الجمع؟

وأجاب عن ذلك: بأنه إما إرادة لها ولبنات جنسها؛ لكونها أم المؤمنين، أو دخل معهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة كبراهن وأقربهن منزلة (٥).

الفضيلة السابعة: الشهادة لها بالطيب:

اختلف أهل التفسير في معنى قوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: ٢٦].

فقال بعضهم: المراد بالخبيثات أي النساء الخبيثات والخبيثون الرجال الخبيثون، والطيبات أي النساء الطيبات والطيبون أي الرجال منهم (٦).

واختار هذا القول الرازي (٧)، وابن المنير (٨)، وابن تيمية (٩)، وأبو حيان (١٠)، وأبو السعود (١١) (١٢).

قال الألوسي: (ورواه الإمامية عن أبي عبد الله وأبي جعفر) (١٣).

وتفرع على هذا القول الحكم بطيب عائشة رضي الله عنها؛ ولأجل هذا قال ابن عباس يخاطب عائشة رضي الله عنها: وطيبك فقال: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ [النور: ٢٦].

وجاء عنها رضي الله عنها أنها قالت: (لقد نزل عذري من السماء، وقد خلفت طيبة عند طيب) (١٤).


(١) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٣٠).
(٢) ((تفسير القرطبي)) (١٨/ ٨٢ - ٨٣).
(٣) حديث قصة الإفك رواه البخاري (٤١٤١)، ومسلم (٢٧٧٠). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٤) ((حاشية مقدمة التفسير)) (ص: ٥٦).
(٥) ((الكشاف)) (٣/ ٥٧).
(٦) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٨٤ - ٨٥)، ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٣٥).
(٧) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٧٠).
(٨) ((الكشاف)) (٣/ ٥٨).
(٩) ((محاسن التأويل)) (١٢/ ٤٤٧٤).
(١٠) ((البحر المحيط)) (٦/ ٤٠٥).
(١١) ((محاسن التأويل)) (١٢/ ٤٤٩٧ - ٤٤٦٨).
(١٢) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٣١).
(١٣) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٣١).
(١٤) رواه أبو يعلى (٨/ ٩٠) (٤٦٢٦) بلفظ: ((خلقت)) بدلاً من ((خلفت))، وذكره الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (٢/ ١٤١) بلفظه، وقال: إسناده جيد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٤٤): في إسناده من لم أعرفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>