للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النور: ٢٠].

قال الطبري: (لولا أن الله تفضل عليكم ... لهلكتم فيما أفضتم وعاجلتكم من الله العقوبة) (١).

وقال ابن عطية: (لفضحكم بذنوبكم، ولعذبكم فيما أفضتم فيه من قول الباطل والبهتان) (٢).

ويلاحظ أنهما فهما من الآية تكراراً في العقوبة.

وقال ابن الجوزي: (جوابه محذوف، تقديره: لعاقبكم فيما قلتم لعائشة) (٣).

وقد تتابع المفسرون على تقرير هذا المعنى (٤)، وأجاد الرازي في تتبع الزواجر المأخوذة من الآية (٥).

وهذا التنصيص على أن المتكلم في عائشة مستحق للعقوبة، أمر لم يحصل لغيرها سواء من الصحابة أو أهل البيت، بل إن الله تعالى امتن عليهم بعدم العقوبة بل وكرر منته بذلك.

قال الشوكاني: (تكرير لما تقدم وتذكيراً للمنة منه سبحانه على عباده بترك المعاجلة لهم) (٦).

وقال الألوسي: (وهذا تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للتنبيه على كمال عظم الجريرة) (٧).

ولم نر هذا الأسلوب من التكرار والامتنان في القرآن الكريم إلا في حق عائشة، حتى إن الوعيد بالعقوبة في مسألة أخذ الغنائم لم يكن فيه مثل هذا التكرار ولا مثل إبراز المنة بهذه الأساليب المتعددة، وهذا كله يدل على أنه عظيم عند الله الاعتداء على زوج نبيه وما ذاك إلا لمكانتها العالية رضي الله عنها وهذا مصداق قوله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا [النور: ١٥].

يقول ابن كثير: (فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل، الله يغار لهذا، وهو سبحانه لا يقدر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك حاشا وكلا ... فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟! ولهذا قال: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: ١٥]) (٨).

الفضيلة الخامسة: أن القدح في عائشة رضي الله عنها قدح في الله تعالى.

وذلك أن الله تعالى أمر المؤمنين بأن ينزهوه عند سماع خبر القدح في زوجة نبيه (٩)، فالله تعالى ينزه أن يحصل لقرابة نبيه تدنيس (١٠).

وعند التأمل في هذا الأمر نجد أن القدح في عائشة قدح في الله إذ جعل تحت نبيه من ليست أهلاً له، وأيضاً فإن الله تعالى ينزه أن لا يعاقب هؤلاء المفترين لما فيه من القدح في الحكمة، وأيضاً فإن الله تعالى منزه أن يرضى بظلم هؤلاء المفترين (١١).

ومن بديع التناظرات القرآنية ما ذكره القاسمي بقوله: (ولأجل هذا قال العلماء: قذف عائشة كفر، لأن الله تعالى سبح نفسه عند ذكره كما سبح نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد) (١٢).

فالقدح في عائشة رضي الله عنها، تكاد تبلغ شناعته نسبة الولد أو الزوج لله تعالى بل إن ظاهر قوله تعالى: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: ٢٥]، يدل على أن القدح في عائشة مناف لكونه تعالى حقاً.


(١) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٨٠).
(٢) ((المحرر الوجيز)) (١٠/ ٤٦٦).
(٣) ((زاد المسير)) (٦/ ٢٣).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٢/ ١٣٥)، ((روح المعاني)) (١٨/ ١٢٣).
(٥) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٥٤ - ١٥٥ - ١٥٦).
(٦) ((فتح القدير)) (٤/ ١٤).
(٧) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٢٣).
(٨) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٢٨).
(٩) ((المحرر الوجيز)) (١٠/ ٤٦٣)، ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٢/ ١٣٦)، ((روح المعاني)) (١٨/ ١٢٠).
(١٠) ((فتح الباري)) (٨/ ٣٣٨).
(١١) ((مفاتيح الغيب)) (٢٣/ ١٥٧).
(١٢) ((محاسن التأويل)) (١٢/ ٤٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>