للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عهد عمر رضي الله عنه: جاءه رجل من أهل الكتاب – حين دخل الشام – وهو مشجوج مضروب فغضب لذلك عمر وأمر بإحضار عوف بن مالك الأشجعي لأنه هو الذي فعل ذلك بالذمي فلما سأله عمر عن فعله هذا قال: يا أمير المؤمنين رأيت هذا يسوق بامرأة مسلمة على حمار فنخس بها لتصرع، فلم تصرع، فدفعها فصرعت فغشيها، وأكب عليها، فقال عمر ائتني بالمرأة فلتصدق على ما قلت فأتاها عوف، فذهب معه أبوها وزوجها فأخبر عمر بمثل قول عوف، فأمر عمر باليهودي فصلب وقال: ما على هذا صالحناكم ثم قال: يا أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم مثل هذا فلا ذمة له (١).

وأما الاعتبار: فمن وجوه: (٢)

أحدها: أن عيب ديننا وشتم نبينا مجاهدة لنا ومحاربة، فكان نقضاً للعهد كالمجاهدة والمحاربة بطريق الأولى.

الثاني: - إن مطلق العهد الذي بيننا وبينهم يقتضي أن يكفوا ويمسكوا عن إظهار الطعن في ديننا، وشتم رسولنا، كما يقتضي الإمساك عن دمائنا ومحاربتنا.

الثالث: إن الله فرض علينا تعزيز رسوله وتوقيره، وتعزيزه: نصره ومنعه، وتوقيره: إجلاله وتعظيمه، وذلك يوجب صون عرضه بكل طريق. فلا يجوز أن نصالح أهل الذمة، وهم يسمعونا شتم نبينا وإظهار ذلك، لأنا إذا تركناهم على هذا تركنا الواجب علينا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. الولاء والبراء في الإسلام لمحمد بن سعيد القحطاني – ٣٢٢

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومشاركتهم في الظاهر: إن لم تكن ذريعة أو سبباً قريباً، أو بعيداً إلى نوع ما من الموالاة والموادة، فليس فيها مصلحة المقاطعة المباينة، مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة - كما توجبه الطبيعة، وتدل عليه العادة - ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات.

فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح، (عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: إن لي كاتباً نصرانياً قال مالك؟ قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: ٥١]. ألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله) (٣).

كما جاء القرآن بالنهي عن موالاة الكفار ومودتهم، وكذلك جاءت السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين، وأجمع الفقهاء عليها. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ١/ ١٦٤


(١) [١١٠٥])) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٩/ ٢٠١) من حديث سويد بن غفلة, وقال: تابعه ابن أشوع عن الشعبى عن عوف بن مالك, وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٢١٧): معروف, وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (٢/ ٣٤٤): إسناده صحيح, وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (٥/ ١٢٠): فقد قال البيهقي عقبه: " تابعه ابن أشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك ". قلت: فهو بهذه المتابعة حسن إن شاء الله تعالى.
(٢) [١١٠٦])) رواه البخاري (٥٦٣٣).
(٣) [١١٠٧])) الحديث لم أجده في ((المسند)) ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (١٠/ ١٢٧) ,بلفظ آخر, قال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٨٤): إسناده صحيح,

<<  <  ج: ص:  >  >>