للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا كلام العلامة ابن القيم وهو المتوفى سنة ٧٥١ هـ رحمه الله. فلينظر المسلم اليوم إلى هذا الغثاء الذي هو كغثاء السيل، ينتسبون للإسلام وهم يتبعون أعداء الله في كل صغيرة وكبيرة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، وليست تبعية لهم فحسب بل إنها تبعية بإعجاب وانبهار! فما تمر بأعدائنا مناسبة إلا وتنهال التهاني عليهم من كل حدب وصوب بالتهنئة والتبريك ومعسول الأماني!!

(٤) حكم السلام عليهم:

اختلف العلماء في معني قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام حين دعا أباه فأبى قال إبراهيم سَلامٌ عَلَيْكَ [مريم: ٤٧].

فأما الجمهور فقالوا: المراد بسلامه المسالمة التي هي المشاركة لا التحية. وقال الطبري: معناه: أمنة مني لك. وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام (١). وقال بعضهم في معنى تسليمه: هو تحية مفارق. وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها قيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال نعم: قال الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٨].

وقال: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ [الممتحنة: ٤].

وقال إبراهيم لأبيه سَلامٌ عَلَيْكَ [مريم: ٤٧].

قال القرطبي: قلت: والأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة (٢).

وفي الشأن حديثان: فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه)) (٣).

وفي (الصحيحين) عن أسامة بن زيد ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر، حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، وفيهم عبدالله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبدالله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي أنفه برادئه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم)) (٤) الحديث.

قال القرطبي: (فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء، لأن ذلك إكرام والكافر ليس أهله والثاني: يجوز ذلك. قال الطبري: ولا يعارض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة، فإنه ليس أحدهما خلاف للآخر، وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص: قال النخعي إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأ بالسلام.

فبان بهذا أن حديث أبي هريرة ((لا تبدؤهم بالسلام)) إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤهم بالسلام من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة أو جوار أو سفر.

قال الطبري: قد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه قال له علقمة: يا أبا عبدالرحمن أليس يكره أنه يبدؤا بالسلام؟ قال: نعم. ولكن حق الصحبة.

وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك وروي عن الحسن البصري أنه قال إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم) (٥).

قال ابن القيم: إن صاحب هذا الوجه – أي من أجاز ابتداءهم بالسلام – قال: يقال له – السلام عليك. فقط بدون ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد (٦).

(أما رد السلام عليهم فاختلف في وجوبه: فالجمهور على وجوبه وهو الصواب. وقالت طائفة: لا يجب الرد عليهم كما لا يجب على أهل البدع وأولى والصواب الأول: والفرق: أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيراً لهم وتحذيراً منهم بخلاف أهل الذمة) (٧).

قلت: ومما يرجح رأي الجمهور في وجوب الرد على أهل الكتاب قوله صلى الله عليه وسلم ((إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم. فقل وعليك)) (٨). وقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) (٩) الولاء والبراء في الإسلام لمحمد بن سعيد القحطاني – ص٣٥٢


(١) [١١٣١])) ((تفسير القرطبي)) (١١/ ١١١ - ١١٢).
(٢) [١١٣٢])) ((تفسير القرطبي)) (١١/ ١١١ - ١١٢).
(٣) [١١٣٣])) رواه مسلم (٢١٦٧).
(٤) [١١٣٤])) رواه البخاري (٤٥٦٦) , ومسلم (١٧٩٨).
(٥) [١١٣٥])) ((تفسير القرطبي)) (١١/ ١١٢)
(٦) [١١٣٦])) زاد المعاد (٢/ ٤٢٥)
(٧) [١١٣٧])) زاد المعاد (٢/ ٤٢٥)
(٨) [١١٣٨])) رواه البخاري (٦٢٥٧) , ومسلم (٢١٦٤) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٩) [١١٣٩])) رواه البخاري (٦٢٥٨) , ومسلم (٢١٦٣) , من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>