للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكون الكفر موجباً ولا شرطاً في الاستحقاق ولا مانعاً منه – فلو وقف على ولده أو أبيه أو قرابته استحقوا ذلك وإن بقوا على كفرهم، فإن أسلموا فأولى بالاستحقاق.

وأما الوقف على كنائسهم وبيعهم ومواضع كفرهم التي يقيمون فيها شعار الكفر: فلا يصح من كافر ولا مسلم. فإن في ذلك أعظم الإعانة له على الكفر والمساعدة والتقوية عليه، وذلك مناف لدين الله) (١).

(٣) عيادتهم وتهنئتهم:

روى البخاري في كتاب الجنائز عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار)) (٢).

وروى أيضاً: قصة أبي طالب حين حضرته الوفاة فزاره النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الإسلام (٣).

قال ابن بطال: إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا (٤)

قال ابن حجر: والذي يظهر: أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى (٥).

(أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنأهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو تهنأ بهذا العيد، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير مما لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والافتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه " وإن بلي الرجل فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك) (٦).

ويدخل في هذا أيضاً: تعظيمهم ومخاطبتهم بالسيد والمولى وذلك حرام قطعاً، ففي الحديث المرفوع ((لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً فقد اسخطتم ربكم عز وجل)) (٧).

ولا يجوز أيضاً تلقيبهم – كما يقول ابن القيم – بمعز الدولة أو فلان السديد، أو الرشيد أو الصالح ونحو ذلك. ومن تسمى بشيء من هذه الأسماء لم يجز للمسلم أن يدعوه به، بل إن كان نصرانياً قال: يا نصراني، يا صليبي، ويقال لليهودي، يا يهودي.

ثم قال ابن القيم بالنص ( .. وأما اليوم فقد وقفنا إلى زمان يصدرون في المجالس، ويقام لهم وتقبل أيديهم ويتحكمون في أرزاق الجند، والأموال السلطانية، ويكنون بأبي العلاء وأبي الفضل، وأبي الطيب، ويسمون حسناً وحسيناً وعثمان وعلياً! وقد كانت أسماؤهم من قبل: يوحنا ومتى وجرجس وبطرس وعزراً وأشعياً، وحزقيل وحيي، ولكل زمان دولة ورجال) (٨).


(١) [١١٢٣])) ((أحكام أهل الذمة)) (١/ ٢٩٩ - ٣٠٢) وانظر ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (١/ ٢٢٩)
(٢) [١١٢٤])) رواه البخاري (١٣٥٦).
(٣) [١١٢٥])) رواه البخاري (٣٨٨٤).
(٤) [١١٢٦])) ((فتح الباري)) (١٠/ ١١٩).
(٥) [١١٢٧])) ((فتح الباري)) (١٠/ ١١٩).
(٦) [١١٢٨])) ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (١/ ٢٠٥ – ٢٠٦).
(٧) [١١٢٩])) رواه أبو داود (٤٩٧٧) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٤٤) , والنووي في ((الأذكار)) (٤٤٩) , والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (٢/ ٤٨٤): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)).
(٨) [١١٣٠])) ((أحكام أهل الذمة)) (٢/ ٧٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>