للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: مثل البغي، وقطيعة الرحم)) (١).

يا صاحب البغي إن البغي مصرعة ... فاعدل فخير فعال المرء أعدله

فلو بغى جبل يوما على جبل ... لاندك منه أعاليه وأسفله (٢)

وبما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليبشر الطاعن في العلماء المستهزئ بهم؛ بعاقبة من جنس فعله:

فعن إبراهيم رحمه الله قال: (إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به).

وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه؛ لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً).

وقد حكي أن رجلاً كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم، وذات يوم تكلم بكلام لم يرق أحد تلامذته، فقام إليه فصفعه على رؤوس الأشهاد: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [آل عمران: ١٨٢]، قال خالد بن زهير الهذلي:

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها ... فأول راض سنة من يسيرها

وليعلم أنه يخشى على من تلذذ بغيبة العلماء والقدح فيهم أن يبتلى بسوء الخاتمة عياذاً بالله منها، فهذا القاضي الفقيه الشافعي محمد بن عبد الله الزبيدي (ولد سنة عشر وسبعمائة) (شرح التنبيه في أربعة وعشرين مجلداً، درس وأفتى، وكثرت طلابه ببلاد اليمن، واشتهر ذكره، وبعد صيته، قال الجمال المصري: إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعاً (٣).

إن السعيد له في غيره عظة ... وفي التجارب تحكيم ومعتبر

ثم الخائض في أعراض العلماء ظلماً وعدواً إن حمل عنه ذلك، واقتدى به فيه، فقد سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، والدال على الشر كفاعله، والسعيد من إذا مات ماتت معه سيئاته، قال تعالى: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس: ١٢].

وما من كاتب إلا سيلقى ... غداة الحشر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

وروي عن الإمام أحمد أنه قال: (لحوم العلماء مسمومة، من شمها مرض، ومن أكلها مات) (٤).

وعن مخلد قال: حدثنا بعض أصحابنا قال: ذكرت يوماً عند الحسن بن ذكوان رجلاً بشيء، فقال: (مه لا تذكر العلماء بشيء، فيميت الله قلبك).

لحوم أهل العلم مسمومة ... ومن يعاديهم سريع الهلاك

فكن لأهل العلم عونا، وإن ... عاديتهم يوما فخذ ما أتاك

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى:

(واعلم يا أخي – وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَعش العلم خلق ذميم) (٥).


(١) رواه أبو داود (٤/ ٤٩٠٢)، والترمذي (٢٥١١)، وابن ماجه (٤٢١١)، وأحمد (٥/ ٣٦) (٢٠٣٩٠)، وابن حبان (٢/ ٢٠٠) (٤٥٥)، والحاكم (٢/ ٣٨٨). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) ((فيض القدير)) (٥/ ٣١٤).
(٣) ((الدرر الكامنة)) (٤/ ١٠٦).
(٤) ((المعيد في أدب المفيد والمستفيد)) (ص: ٧١).
(٥) ((تبيين كذب المفتري)) (ص: ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>