للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (والمقصود أنه أرسل - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الثقلين الإنس والجن فلم يخص العرب دون غيرهم من الأمم بأحكام شرعية، ولكن خص قريشًا بأن الإمامة فيهم، وخص بني هاشم بتحريم الزكاة عليهم، وذلك لأن جنس قريش لما كانوا أفضل، وجب أن تكون الإمامة في أفضل الأجناس مع الإمكان، وليست الإمامة أمرًا شاملاً وإنما يتولاها واحد من الناس) (١). وقال شيخ الإسلام: (وإذا فرضنا اثنين أحدهما: أبوه نبي. والآخر: أبوه كافر. وتساويا في التقوى والطاعة من كل وجه كانت درجتهما في الجنة سواء، ولكن أحكام الدنيا بخلاف ذلك في: الإمامة، والزوجية، والشرف، وتحريم الصدقة ونحو ذلك ... ) قال: والخير في الأشراف أكثر منه في الأطراف (٢).

أما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ومدح الله عز وجل للشخص المعين وكرامته عند الله وفضله فهذا لا يؤثر فيه النسب، وإنما المؤثر الوحيد هو التقوى والعمل الصالح، كما قال عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: ١٣]

وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في فضل قريش على سائر القبائل (٣) منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم)) (٤). فالحاصل أن هناك من ألغى فضيلة الأنساب مطلقًا، وهناك من يفضل الإنسان بنسبه على من هو أعظم منه في الإيمان والتقوى فضلاً عمن هو مثله. قال ابن تيمية: (فكلا القولين خطأ، وهما متقابلان، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية، فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد، والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة) (٥).

فالمقصود أن اشتراط القرشية في الإمام ليس له علاقة بالعصبية القبلية التي نهى الإسلام عنها ألبتة. كما أن النسب في حد ذاته في أصل الشريعة لا قيمة له ذاتية وإنما هو صفة كمال.

هذا وأهل السنة لم يقصروها على نوع بعينه من قريش، وإنما كان من انتسب إلى قريش جازت له الإمامة إذا توفرت شروطها الأخرى، وهناك من المبتدعة من قصرها على فرع معين، فقصرها بعضهم على بني هاشم. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي- بتصرف – ص: ٢٦٥


(١) [١٣١٠٢])) ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ٣٠).
(٢) [١٣١٠٣])) ((المنتقي من منهاج الاعتدال)) للذهبي (ص: ٥٣٠).
(٣) [١٣١٠٤])) انظر: كتاب ((السنة)) لابن أبي عاصم (٢/ ٦٣٢).
(٤) رواه مسلم (٢٢٧٦) بلفظ: ((ولد)) بدلاً من ((بني)). من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.
(٥) [١٣١٠٦])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>