للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وأما من قال بأنها على سبيل الإخبار وليس فيها أمر فمردود، لأنها أمر في صيغة الخبر، وقد وردت بعض الأحاديث بالأمر الصريح كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((قدموا قريشًا ولا تقدموها)) (١) فهذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

كما أنه لو كان إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - لتحقق الخبر، وهو: أنه لن يتولى الخلافة إلا قرشي، لأن خبر الصادق لابد أن يتحقق، لكن الواقع غير ذلك، فقد تولى الخلافة غير القرشيين، منهم من يدعي كذبًا أنه قرشي كالعبيديين الذي تسموا بالفاطميين (٢)، ومنهم: من لم يدع ذلك كسلاطين الدولة العثمانية، قال ابن حزم: (هذان الخبران - يقصد حديث ابن عمر، ومعاوية السابق ذكرهما - وإن كانا بلفظ الخبر فهما أمر صحيح مؤكد إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيبًا لخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كفر ممن أجازه) (٣).

٦ - وأما ما قالوه من أن الإسلام نهى عن العصبية، وأن تسود طائفة معينة على سائر المسلمين وأنه جاء بالمساواة بين المسلمين جميعًا لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى ... إلخ.

إن الإسلام باشتراطه أن يكون الإمام قرشيًا لم يكن بذلك داعيًا إلى العصبية القبلية التي نهى عنها في أكثر من موضع، فإن الإمام في نظر الإسلام ليس له أي مزية على سائر أفراد الأمة ولا لأسرته أدنى حق زائد على غيرهم، فالإمام وغيره من أفراد المسلمين سواء في نظر الإسلام، بل هو متحمل من التبعات والمسؤوليات ما يجعله من أشدَّ الناس حملاً وأثقلهم حسابًا يوم القيامة.

وهذا وليس معنى أن الإسلام نهى عن العصبية أن الناس لا تفاضل بينهم، بل التفاضل بين الخلق في الدنيا من صميم الفطرة ووردت أدلة شرعية على ذلك. فجمهور العلماء (٤) على أن جنس العرب خير من غيرهم، كما أن جنس قريش خير من غيرهم، قد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم – ((أنه سئل أي الناس أكرم؟ فقال: أتقاهم. فقالوا: ليس عن هذا نسألك، فقال: فيوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: أفعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (٥). وفي رواية: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (٦). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين الأجناس، وهذا قول طائفة من أهل الكلام: كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره ... وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية وهو: قول ضعيف من أقوال أهل البدع) (٧). وقال: (لكن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد فإن في غير العرب خلق كثير خير من أكثر العرب، وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار خير من أكثر قريش ... ).


(١) رواه البزار (٢/ ١١٩)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (١٠/ ٢٨). من حديث علي رضي الله عنه. وقال: روي من غير وجه وابن الفضل ليس بالحافظ، وأبو بكر بن أبي جهمة، وأبوه لا نعلمهما يحدثان إلا بهذا الحديث, وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أبو معشر وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح, وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٤٣٨٤).
(٢) [١٣٠٩٦])) انظر لكشف كذبهم وتبين أصلهم: ((تاريخ السيوطي)) (ص: ٤).
(٣) [١٣٠٩٧])) ((المحلى)) لابن حزم (١٠/ ٥٠٣).
(٤) [١٣٠٩٨])) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (١٩/ ٢٩).
(٥) [١٣٠٩٩])) رواه البخاري (٣٣٥٣)، ومسلم (٢٣٧٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) [١٣١٠٠])) رواه مسلم (٢٦٣٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) [١٣١٠١])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>