للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أما استدلالهم بقول الأنصار: (منا أمير ومنكم أمير) (١) فواضح البطلان، وذلك لرجوعهم رضي الله عنهم عن هذا القول في تلك اللحظة بعد أن سمعوا النص الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو بكر رضي الله تعالى عنه في قوله: ((ولقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم. فقال له سعد: صدقت. نحن الوزراء وأنتم الأمراء)) (٢). فيحتمل أنهم قالوا هذا القول قبل أن يعرفوا النص الذي يثبت الخلافة في قريش ولهذا رجعوا إلى رشدهم لما عرفوا الحقيقة.

٢ - أما استدلالهم بأحاديث الأمر بالطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا، فقد سبق الجواب عليها مفصلاً وأن المراد إما إمامة المتغلب أو الإمارة الصغرى على بعض الولايات، أو لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة وضرَبَهُ مثلاً.

٣ - أما استدلالهم بقول عمر في إرادته استخلاف معاذ بن جبل الأنصاري رضي الله تعالى عنه فهذا لم يتم، وإنما رشح عمر ستة قرشيين اختارهم وقال: (ليختاروا أحدهم)، وأيضًا لو ثبت ذلك فإن النص مقدَّم على قول الصحابي وإن بلغ من الفضل ما بلغ، ولعله اجتهاد من عمر رضي الله تعالى عنه ثم تراجع عنه إلى النص، وقد أجاب الحافظ في (الفتح) (٣) على هذا الاعتراض باحتمالين هما:

أ- إما أن يكون الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيًا.

ب- وإما أن يكون قد تغير اجتهاد عمر في ذلك.

... وإما أن يريد من قوله ذلك الولاية الصغرى، أي: على أحد الأقاليم، وهذا لا يشترط فيه النسب اتفاقًا. هذا على افتراض صحة الحديث، وإلا فالحديث ضعيف لانقطاع سنده فلا يصلح للاحتجاج به.

أما الحديث الثاني والذي فيه ذكر سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة فيحتمل إرادة التولية الصغرى أيضاً، أو أنه يعتبر قرشياً، لأن أبا حذيفة القرشي (٤) قد تبناه وهو مولى له، ومولى القوم منهم، وقد أرضعته زوجه - وهو كبير - بعد تحريم التبني فأصبح ابنًا له، وقصة إرضاعه مشهورة وهي في صحيح مسلم وغيره، قال ابن عبد البر: (وهو يعد في قريش لما ذكرنا) (٥) ويقصد قوله: (لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة، ولذلك عُدَّ في المهاجرين) (٦) أما أبو عبيدة فقرشي باتفاق (٧).

٤ - أما استدلالهم بقول أبي بكر: (إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ... ) وقولهم بأن هذا تعليل لطاعة العرب لهم، فإذا تغير الحال تغير موضع الاختيار، هكذا عللوه، وهو تعليل بعيد، لأنه ظاهر في أحقية قريش بالخلافة فهو بحق دليل على اشتراط القرشية لا على نفيها، والنصوص التي ذكرت استدلال أبي بكر مبينة لهذا الظاهر، وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بدليل تسليمهم بالطاعة لأبي بكر رضي الله عنه حينما بين لهم هذا الدليل ... والله أعلم.


(١) رواه البخاري (٣٦٦٧، و٣٦٦٨). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) [١٣٠٨٩])) رواه أحمد (١/ ٥) (١٨). قال ابن تيمية في ((منهاج السنة)) (١/ ٥٣٦): مرسل حسن، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ١٩٤): رواه أحمد - وفي الصحيح طرف من أوله - ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)): رجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر وللحديث شاهد.
(٣) [١٣٠٩٠])) ((فتح الباري)) (١٣/ ١١٩).
(٤) [١٣٠٩١])) ((الإصابة)) (١١/ ٨١).
(٥) [١٣٠٩٢])) ((الاستيعاب)) (٢/ ٥٦٧).
(٦) [١٣٠٩٣])) ((الاستيعاب)) (٢/ ٥٦٧).
(٧) [١٣٠٩٤])) ((الإصابة)) (٥/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>