للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - واستدلوا أيضًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حيّ استخلفته ... فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل) (١) والمعروف أن معاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش (٢) فدل على الجواز. كما روي عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: (لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح) (٣).

٤ - كما استنتجوا من قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه: (إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ... ) (٤) أن هذا تعليل لطاعة العرب لهم فإذا تغير الحال تغير موضع الاختيار.

٥ - ومنهم من قال: إن هذه الأحاديث التي يستدل بها أهل السنة إنما هي على سبيل الإخبار، وليس فيها أمر يجب امتثاله، ذهب إلى ذلك بعض الكتاب المحدثين كالشيخ محمد أبي زهرة (٥) ود. صلاح الدين دبوس (٦). وغيرهم.

٦ - واستدلوا على ذلك أيضًا بقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: ١٣] فجعل الأفضلية والإكرام بالتقوى لا بالمعايير الأخرى كالنسب ونحوه، بل وردت أحاديث تحذر من التفاخر بالأنساب والأحساب، وتنهى عن العصبية الجاهلية منها:

أ- قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة، والاستسقاء بالنجوم)) (٧).

ب- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّة (٨) الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي. أنتم بنو آدم، وآدم من تراب. ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن)) (٩).

مناقشة هذه الأدلة


(١) [١٣٠٧٩])) رواه أحمد (١/ ١٨) (١٠٨). قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٣/ ١٢٧): رجاله ثقات.
(٢) [١٣٠٨٠])) انظر: الإصابة لابن حجر (٩/ ٢١٩).
(٣) [١٣٠٨١])) رواه أحمد (١/ ٢٠) (١٢٩). من حديث أبي رافع رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (١/ ٣٨٠): إسناده على شرط السنن وعلي بن زيد بن جدعان له غرائب وإفرادات ولكن له شاهد، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٤/ ٢٢٣): رواه أحمد وفيه علي بن زيد وحديثه حسن وفيه ضعف، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (١/ ٨٠).
(٤) [١٣٠٨٢])) رواه البخاري (٦٨٣٠) بلفظ: ((ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش)). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٥) [١٣٠٨٣])) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (١/ ٩٠).
(٦) [١٣٠٨٤])) ((الخليفة توليته وعزله)) (ص: ٢٧٠).
(٧) [١٣٠٨٥])) رواه مسلم (٩٣٤). من حديث أبو مالك الأشعري رضي الله عنه.
(٨) [١٣٠٨٦])) عُبِّيَّة الجاهلية: بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح المثناة التحتية المشددة: أي: فخرها وتكبرها. قال الخطابي: العبية الكبر والنخوة، يريد بهذا القول ما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بالأنساب والتباهي بها، وأصله مهموز من العبء وهو: الثقل وفيه لغة أخرى وهي: العبية بالكسر. انظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (١/ ١٩٠).
(٩) [١٣٠٨٧])) رواه أبو داود (٥١١٦)، والترمذي (٣٩٥٥)، وأحمد (٢/ ٥٢٣) (١٠٧٩١)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٦٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب، وحسن إسناده المنذري، وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٢٤٧): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>