للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأشاعرة إمام الحرمين الجويني حيث مال إلى عدم اشتراطه، وزعم أنه من أخبار الآحاد وهو على مذهبه الباطل لا يحتج به في مثل هذه المسائل حيث قال: (وهذا مسلك لا أوثره، فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ عدد التواتر والذي يوضح الحق في ذلك: أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين المثبوت بصدد هذا من فلق (١). في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد، فإذًا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة) (٢) وقال في كتابه (الإرشاد): (وهذا مما يخالف فيه بعض الناس، وللاحتمال فيه عندي مجال، والله أعلم بالصواب) (٣).

وقد اختلف قول أبي بكر الباقلاني، فاشترط القرشية في كتابه (الإنصاف) فقال: (ويجب أن يعلم أن الإمامة لا تصلح إلا لمن تجتمع فيه شرائط منها: أن يكون قرشيًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأئمة من قريش)) (٤) ولم يشترطها في كتابه (التمهيد) حيث قال: (إن ظاهر الخبر لا يقضي بكونه قرشيًا، ولا العقل يوجبه) (٥).

وإلى نفي اشتراط القرشية ذهب أكثر الكتاب المحدثين منهم: الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) وذهب إلى أن الأحاديث الواردة مجرد أخبار لا تفيد حكمًا (٦)، ومنهم العقاد (٧)، ومنهم د. علي حسني الخربوطلي في كتابه (الإسلام والخلافة) (٨) وتجرأ على رمي الأحاديث المذكورة بالوضع، ومنهم د. صلاح الدين دبوس في كتابه (الخليفة توليته وعزله) وذهب إلى أن هذه الأحاديث مجرد أخبار (٩)، ومنهم الأستاذ محمد المبارك رحمه الله وعفا عنه واعتبرها من باب السياسة الشرعية المتغيرة بتغير العوامل (١٠).

واستدل من ذهب إلى نفي اشتراط القرشية بما يلي:

١ - بقول الأنصار يوم السقيفة (منا أمير ومنكم أمير) (١١) قالوا: فلو لم يكن الأنصار يعرفون أنه يجوز أن يتولى الإمامة غير قرشي لما قالوا ذلك.

٢ - ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسوا الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) (١٢) فالحديث أوجب الطاعة لكل إمام وإن كان عبدًا، فدل على عدم اشتراط القرشية.


(١) [١٣٠٦٧])) الفلق: بيان الحق بعد إشكاله.
(٢) [١٣٠٦٨])) ((غياث الأمم)) للجويني (ص: ١٦٣).
(٣) [١٣٠٦٩])) ((الإرشاد إلى قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد)) لأبي المعالي الجويني (ص: ٤٢٧).
(٤) [١٣٠٧٠])) ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: ٦٩).
(٥) [١٣٠٧١])) نقلاً عن الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على ((الصواعق المحرقة)) للهيتمي (ص: ٩) ولم أقف على هذا الكلام في كتاب ((التمهيد)) لأن النسخة الموجودة المتداولة الآن من تحقيق جماعة من المستشرقين، وقد حذفوا كتاب ((الإمامة)) كاملاً، وقد نسب هذا الكلام إلى الباقلاني ابن خلدون أيضًا. انظر: ((المقدمة)) (ص: ١٩٤).
(٦) [١٣٠٧٢])) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (١/ ٩٠).
(٧) [١٣٠٧٣])) ((الديمقراطية في الإسلام)) (ص: ٦٩).
(٨) [١٣٠٧٤])) ((الإسلام والخلافة)) (ص: ٤٢).
(٩) [١٣٠٧٥])) ((الخليفة توليته وعزله)) (ص: ٢٧٠).
(١٠) [١٣٠٧٦])) ((نظام الإسلام في الحكم والدولة)) (ص: ٧١).
(١١) رواه البخاري (٣٦٦٧، و٣٦٦٨). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٢) رواه البخاري (٧١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>