للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم القاضي عياض. فقد نقل عنه النووي قوله: (اشتراط كونه – أي الإمام - قرشيًا هو: مذهب العلماء كافة. قال: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد، قال القاضي: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا، وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار قال: ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه: يجوز كونه من غير قريش، ولا سخافة ضرار بن عمرو في قوله: إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين والله أعلم) (١).

وممن حكى هذا الإجماع أيضًا الماوردي (٢)، والإيجي في (المواقف) (٣)، وابن خلدون في (المقدمة) (٤)، والغزالي في (فضائح الباطنية) (٥) وغيرهم.

ومن المحدثين الشيخ محمد رشيد رضا حيث قال: (أما الإجماع على اشتراط القرشية فقد ثبت بالنقل والفعل، رواه ثقات المحدثين، واستدل به المتكلمون وفقهاء مذاهب السنة كلهم، وجرى عليه العمل بتسليم الأنصار وإذعانهم لبني قريش، ثم إذعان السواد الأعظم من الأمة عدة قرون ... ) (٦).

ولكن الحافظ ابن حجر يعترض على هذا الإجماع بقوله: (قلت: ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك، فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال: (إن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل ... الحديث). ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش فيحتمل أن يقال: لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيًا، أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم) (٧).

القائلون بعدم اشتراط القرشية وأدلتهم

أول من قال بعدم اشتراط القرشية الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه (إذ جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش، وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان إمامًا) (٨).

وزعم ضرار بن عمرو - من شيوخ المعتزلة - أيضًا أن الإمامة تصلح في غير قريش (حتى إذا اجتمع قرشي ونبطي قدمنا النبطي إذ هو أقل عددًا وأضعف وسيلة فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة) (٩) قال الشهرستاني: (والمعتزلة - أي جمهورهم - وإن جوزوا الإمامة في غير قرشي، إلا أنهم لا يجيزون تقديم النبطي على القرشي (١٠) وزعم الكعبي أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش، فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره) (١١).


(١) [١٣٠٥٦])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٢/ ٢٠٠).
(٢) [١٣٠٥٧])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: ٦).
(٣) [١٣٠٥٨])) ((المواقف)) (ص: ٣٩٨).
(٤) [١٣٠٥٩])) ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: ١٩٤).
(٥) [١٣٠٦٠])) ((فضائح الباطنية)) (ص: ١٨٠).
(٦) [١٣٠٦١])) ((الخلافة أو الإمامة العظمي)) لرشيد رضا (ص: ١٩).
(٧) [١٣٠٦٢])) ((فتح الباري)) (١٣/ ١١٩). والواقع أنه لا يرجع إلى التأويل إلا إذا صح الخبر في مخالفة عمر للإجماع، ولكن هذا الأثر ضعيف لانقطاعه.
(٨) [١٣٠٦٣])) ((الملل والنحل)) (١/ ١١٦).
(٩) [١٣٠٦٤])) ((الملل والنحل)) للشهرستاني (١/ ٩١).
(١٠) [١٣٠٦٥])) ((الملل والنحل)) (١/ ٩١).
(١١) [١٣٠٦٦])) ((أصول الدين)) (ص: ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>