للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ومنها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) (١) .. وفي رواية لمسلم: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)) (٢).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الموجبة لطاعة الأئمة في غير معصية وإن جاروا، روى أبو عبيد القاسم بن سلام بسنده إلى مصعب بن سعد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن الحق، قال: (يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوه إذا دعا) (٣).

طاعة الإمام ليست مطلقة:

حينما أوجب الله عز وجل على الرعية أن تطيع ولاة الأمور المسلمين لم يجعل هذه الطاعة مطلقة من كل قيد، وذلك لأن الحاكم والمحكوم كلهم عبيد لله عز وجل، واجب عليهم طاعته وامتثال أوامره، لأنه هو الحاكم وحده، فإذا قصرت الرعية في حق من حقوق الله تعالى فعلى الحاكم تقويمها بالترغيب والترهيب حتى تستقيم على الطريق، وكذلك الحاكم إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة له، وإنما على الأمة نصحه وإرشاده، والسعي بكل وسيلة إلى إرجاعه إلى الحق شريطة ألا يكون هناك مفسدة أعظم من مصلحة تقويمه، وإلا فعلى الرعية الصبر حتى يقضي الله فيه بأمره ويريحهم منه ...

أدلة تقييد سلطة الحاكم:

والأدلة على تقييد سلطة الحاكم وأنه لا طاعة له في معصية كثيرة جدًا نأخذ منها بعض النماذج:

أولاً: من كتاب الله:

١ - يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: ٥٩].

قال الحافظ ابن حجر: قال الطيبي: (أعاد الفعل في قوله: وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته، ثم بين ذلك في قوله: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله) (٤).

وعن أبي حازم سلمة بن دينار أن مسلمة بن عبد الملك قال: (ألَسْتُم أمرتم بطاعتنا في قوله: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ؟ قال: أليست قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله: فردوه إلى الله والرسول ... [النساء: ٥٩]).

فالشاهد من الآية أن الإمام المطاع يجب أن يكون من المسلمين ... وأنه إذا وقع خلاف بينه وبين رعيته فالحكم في ذلك هو كتاب الله وسنة رسوله لا هواه وبطشه، فدل ذلك على تقييد سلطته بإتباع الكتاب والسنة.


(١) رواه البخاري (٧١٩٩)، ومسلم (١٨٤٠).
(٢) [١٣٢١٦])) رواه مسلم (١٨٤٠)، ورواه البخاري (٧٠٥٥).
(٣) [١٣٢١٧])) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (ص: ١٢)، ورواه الطبراني في تفسيره (٨/ ٤٩٠)، والخلال في ((السنة)) (١/ ١٠٩).
(٤) [١٣٢١٨])) ((فتح الباري)) (١٣/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>