للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إمامًا عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله. فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله، ولا يسقط وجوبها لأمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق) (١).

قال: (فأهل السنة: لا يطيعون ولاة الأمور مطلقًا إنهم يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... الآية [النساء: ٥٩]) (٢).

٢ - ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: ١٢]

والشاهد من الآية قوله تعالى: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ روى ابن جرير بسنده عن ابن زيد في قوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبيّه وخيرته من خلقه، ثم لم يستحلّ له أمر إلا بشرط، لم يقل لا يَعْصِينَكَ ويترك. حتى قال: فِي مَعْرُوفٍ فكيف ينبغي لأحد أن يطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه) (٣).

وقال الزمخشري مفسراً سبب تقييد طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعروف مع أنه لا يأمر إلا بالمعروف: (نبه بذلك على أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بالتوقي والاجتناب) (٤).

وقال الكيا الهراسي: (يؤخذ من قوله: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أنه لا طاعة لأحد في غير معروف) قال: (وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إلا بمعروف وإنما شرطه في الطاعة لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين) (٥).


(١) [١٣٢١٩])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٧٦).
(٢) [١٣٢٢٠])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٧٦).
(٣) [١٣٢٢١])) ((تفسير الطبري)) (٢٨/ ٨٠). ونحوه في ((تفسير ابن كثير)) (٨/ ١٢٧).
(٤) [١٣٢٢٢])) ((الكشاف)) (٤/ ٩٥). ونحوه في ((فتح القدير)) للشوكاني (٥/ ٢١٦).
(٥) [١٣٢٢٣])) نقلاً عن: ((محاسن التأويل)) للقاسمي (١٦/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>