للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ- قدم هشام بن عبد الملك حاجًا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة، فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، فقال: من التابعين. فأتي بطاوس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين، ولكن قال: السلام عليك يا هشام، ولم يكنه، وجلس بإزائه. وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا حتى هم بقتله. فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله، ولا يمكن ذلك. فقال: يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟ فازداد غضبًا وغيظًا. قال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبل يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا هشام؟ قال: أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، ولا يعاتبني ولا يغضب عليَّ، وأما قولك لم تقبل يدي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة، أو ولده من رحمة). وأما قولك لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب، وأما قولك لم تكنني فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه فقال: يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه فقال: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: ١] وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام) (١). فانظر إلى عزة المؤمن كيف تفعل أمام السلاطين.

ب- وروى أبو سليمان الخطابي بسنده إلى عبد الله بن بكر السهمي قال: (سمعت بعض أصحابنا قالوا: أرسل عمر بن هبيرة - وهو على العراق - إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة، وكان ممن أتاه من فقهاء البصرة الحسن، ومن أهل الكوفة الشعبي، فدخلوا عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إلي في أمور أعمل بها فما تريان؟ قال: فقال الشعبي: أصلح الله الأمير أنت مأمور والتبعة على من أمرك، فأقبل على الحسن فقال: ما تقول؟ قد قال هذا، قل أنت، قال: اتق الله يا عمر فكأنك بملك قد أتاك فاستزلك عن سريرك هذا، وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، إن الله تعالى ينجيك من يزيد، وإن يزيد لا ينجيك من الله سبحانه، فإياك أن تعرض لله تعالى بالمعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ثم قام فتبعه الآذن فقال: أيها الشيخ ما حملك على ما استقبلت به الأمير؟ قال: حملني عليه ما أخذ الله تعالى على العلماء في علمهم ثم تلا: وَإِذ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ ... [آل عمران: ١٨٧]) (٢).

إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا حصر لها. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٤٠٥


(١) [١٣٣٠٠])) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٢/ ١٤٦).
(٢) [١٣٣٠١])) ((العزلة)) للخطابي (ص: ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>