للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وروى أحمد بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تُوُدِّع منها)) (١).

وقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم يَحُثُّون أقوامهم على نصحهم وتقويمهم إذا أخطئوا، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته المشهورة: (أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوِّموني) (٢).

وقال رضي الله عنه: (إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني) (٣).

وهذا عمر رضي الله عنه يقول فيما رواه سفيان بن عيينة عنه: (وأحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي) (٤) وكذلك بقية الخلفاء.

كما أنه ينبغي للناصح للسلطان أن يراعي مكانته بحيث لا يخرق هيبته. يدل على ذلك حديث عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده فلْيخل به، فإن قَبِلَهَا، قَبِلَهَا، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له)) (٥).

كما أنه يجب على الناصح أن يحذر التأنيب والتعيير (٦) والغيبة والسعاية حتى تكون خالصة لله تعالى.

وقد كان علماء السلف رضوان الله عليهم يصدعون بقول الحق والنصح لأئمة الجور في وجوههم، وإن توقعوا أو تيقنوا الإيذاء بسبب ذلك، لا يخشون في الله لومة لائم، لأنهم يعلمون أن من قتل بسبب ذلك فهو شهيد، والشهادة أغلى أماني المؤمن المصدق بوعد الله، لذلك قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك ومحتملين ألوان العذاب، وصابرين عليه في ذات الله تعالى، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله.

والأمثلة على ذلك كثيرة نأخذ منها على سبيل المثال:


(١) [١٣٢٩٤])) رواه أحمد (٢/ ١٩٠) (٦٧٨٤)، والبزار (٦/ ٣٦٣) (٢٣٧٥)، وابن عدي (٦/ ١٢٣)، والحاكم (٤/ ١٠٨). وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي (٧/ ٢٦٥): رواه أحمد، والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد. وقال في (٧/ ٢٧٣): رواه أحمد، والبزار، والطبراني، وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (١٠/ ٣٠).
(٢) [١٣٢٩٥])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ١٨٣).
(٣) [١٣٢٩٦])) رواه ابن هشام في ((السيرة النبوية)) (٦/ ٨٢)، والطبري في ((التاريخ)) (٢/ ٢٣٧). من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٥/ ٢٤٨): رواه ابن إسحاق بإسناد صحيح.
(٤) [١٣٢٩٧])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٢٩٣).
(٥) [١٣٢٩٨])) رواه أحمد (٣/ ٤٠٣) (١٥٣٦٩)، والحاكم (٣/ ٣٢٩)، والبيهقي (٨/ ١٦٤) (١٧١٠٣)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (١٠٩٦). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٢٣٢): رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعاً وإن كان تابعيا، وصححه الألباني في ((تخريج كتاب السنة)).
(٦) [١٣٢٩٩])) ألّف ابن رجب الحنبلي رسالة قيمة في ((الفرق بين النصيحة والتعيير)) حققها نجم عبد الرحمن خلف ونشرتها المكتبة القيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>