للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا يكاد أحد من علماء السلف يذكر عقيدته إلا وينص على هذه المسألة ذاتها، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الإمام أحمد في عقيدته في أكثر من رواية حيث قال: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق (١) ... وبنحو كلام الإمام أحمد هذا. نص على ذلك أبو زرعة، وابن أبي حاتم الرازيان (٢)، وعلي بن المديني (٣)، وغيرهم كثير: كالطحاوي (٤)، وأبي عثمان الصابوني (٥) وغيرهم.

خامسًا: ومن الأدلة على النهي عن الخروج على الأئمة صلاة الصحابة رضوان الله عليهم خلف أئمة الجور والمبتدعة، وهذا يقتضي الإقرار بإمامتهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره، فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو: أحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السنة بلا خلاف عندهم) (٦).

والذي يدل على ذلك الجواز فعل الصحابة رضوان الله عليهم حيث كانوا يصلون خلف من يعرفون فجوره، كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد كان يشرب الخمر، وصلى مرة الصبح أربعًا، وجلده عثمان رضي الله عنه على ذلك، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف (٧)، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهمًا بالإلحاد (٨)، وأخرج ابن سعد عن زيد بن أسلم: (أن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أميرًا إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله) (٩).

سادسًا: ومن الأدلة على عدم جواز الخروج على الأئمة الفسقة مراعاة مقاصد الشريعة إذ أن من أهداف الشريعة الإسلامية تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما. ولا شك أن الضرر في الصبر على جور الحكام أقل منه في الخروج عليهم لما يؤدي إليه من الهرج والمرج، فقد يرتكب في فوضى ساعة من المظالم ما لا يرتكب في جور سنين. قال ابن تيمية: (وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير) (١٠).

ولذلك (فلا يهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا) (١١).


(١) [١٣٤٥٦])) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي)) (١/ ١٦١).
(٢) [١٣٤٥٧])) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (ص: ١٦٧) و (ص: ١٧٩).
(٣) [١٣٤٥٨])) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (ص: ١٦٤).
(٤) [١٣٤٥٩])) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ٣٦٦).
(٥) [١٣٤٦٠])) ((رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) لأبي عثمان ضمن مجموعة ((الرسائل المنيرية)) (١/ ١٢٩).
(٦) [١٣٤٦١])) ((مجموعة الرسائل والمسائل الرسالة الأخيرة)) (٥/ ١٩٨) تعليق محمد رشيد رضا.
(٧) [١٣٤٦٢])) حديث كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ذكره ابن أبي شيبة في المصنف. وقال عنه الألباني: سنده صحيح على شرط الستة. انظر: ((إرواء الغليل)) (٢/ ٣٠٣).
(٨) [١٣٤٦٣])) انظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ١٩٩).
(٩) [١٣٤٦٤])) قال الألباني: سنده صحيح. انظر: ((إرواء الغليل)) (٢/ ٢٠٤).
(١٠) [١٣٤٦٥])) ((منهاج السنة) (٢/ ٢٤١).
(١١) [١٣٤٦٦])) ((إحياء علوم الدين)) على هامشه ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (٢/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>