للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة) (١) ثم ضرب الأمثلة على كل درجة، ومنها قوله في التمثيل على الرابعة: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله سره ونوّر ضريحه يقول: (مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرَّم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذراري وأخذ الأموال فدعهم) (٢).

سابعًا: ومن الأدلة على عدم جواز الخروج على الأئمة أننا عند استعراضنا للفتن التي قامت في التاريخ الإسلامي الأول نجد أنها لم تؤت الثمار المرجوة من قيامها، بل بالعكس قد أدت إلى فتن وفرقة بين المسلمين لا يعلم عظم فسادها إلا الله، يقول المعلمي: (وقد جرَّب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر:

١ - خرج الناس على عثمان يرون أنهم يريدون الحق.

٢ - ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساؤهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق، فكانت ثمرة ذلك بعد اللقيا، والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية.

٣ - ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة.

٤ - ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرَّة.

٥ - ثم خرج القرَّاء مع ابن الأشعث فماذا كان؟

٦ - ثم كانت قضية زيد بن علي، وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، فخذلوه، فكان ما كان) (٣).

قلت: وقد عدَّ أبو الحسن الأشعري خمسة وعشرين خارجًا كلهم من آل البيت (٤) ولم يكتب لأحد منهم نصيب في الخروج، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولَّد من الخير ... ) (٥).

فإذا كان هذا مآل الخارج، وإن كان قصده حسنًا، ولا يريد إلا الخير وإصلاح الأوضاع، فكيف يجوز الخروج؟ الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص ٤٩٩

والذي يترجح ... ما ذهب إليه المحدثون وجمهور الفقهاء من أن الفسق أو الظلم ليس من مسوغات الخروج على الحاكم وأن مجمل الموقف منه يتلخص في:

- وجوب طاعته في غير معصية الله

- مشروعية الصبر على أذاه

- وجوب نصحه والإنكار عليه

- عدم الخروج عليه بالسيف

- وأما عزله من غير فتنة فمحل نظر

ومن الأدلة على هذا الموقف:

أولا: أما وجوب طاعته في غير معصية فلعموم قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النساء: ٥٩] ولحديث ((إنما الطاعة في المعروف)) (٦).

ثانيا: أما الصبر على أذاه فلقوله صلى الله عليه وسلم ((من كره من أميره شيئا فليصبر عليه)) (٧). وقوله لما قيل له أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم قال ((اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) (٨)


(١) [١٣٤٧٢])) ((إعلام الموقعين)) (٣/ ٤).
(٢) [١٣٤٧٣])) ((إعلام الموقعين)) (٣/ ٥).
(٣) [١٣٤٧٤])) ((التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)) لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي (١/ ٩٤).
(٤) [١٣٤٧٥])) انظر: ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ١٥١ - ١٦٦).
(٥) [١٣٤٧٦])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٤١).
(٦) [١٣٤٧٧])) رواه البخاري (٧١٤٥)، ومسلم (١٨٤٠). من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٧) رواه البخاري (٧٠٥٣) , ومسلم (١٨٤٩). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٨) [١٣٤٧٩])) رواه مسلم (١٨٤٦). من حديث سلمة بن يزيد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>