للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: وأما وجوب نصحه والإنكار عليه فلقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (١) وقوله: ((إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة)) (٢) وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أبايعك على الإسلام فشرط علي والنصح لكل مسلم فبايعته على هذا)) (٣). قال أبو عمر بن عبد البر: (وأما مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها) (٤).

والنصيحة أعم من الوعظ والأمر والإنكار فهي .. كلمة جامعة تعني إرادة الخير كله للمنصوح له قال محمد بن نصر المروزي: (النصيحة لأئمة المسلمين تعني حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعةالله) (٥)

رابعا: وأما عدم الخروج عليه بالسيف فللأحاديث المتقدمة وغيرها وهي كثيرة جدا قال عنها الشوكاني إنها متواترة ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) (٦) قال النووي: (وأما الخروج عليهم (يعني الأئمة) وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين) (٧).

وأما عزله من غير فتنة فله أدلة شرعية كثيرة:

أن ذلك من باب تغيير المنكر الذي هو فرض بلا خلاف

ولأن هذا التغيير ينسجم مع قواعد الشريعة العامة مثل الضرر يزال والضرر الأشد يزال بالضر الأخف.

ولأن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها (٨).

ولا شك أن إزالة المفسدة بمصلحة أكبر منها لا غبار عليه فتجلب المصلحة الكبرى وتدرأ المفسدة الصغرى بقدر الإمكان.

ثم إن النصوص الشرعية الواردة في المنع من الخروج على الفسقة جاءت في سياقين.

السؤال عن المنازعة والمنابذة والمقاتلة.

النهي عن مفارقة الجماعة أو شق عصاها.

أما ما نحن بصدده فلا أظن في النصوص ما يمنعه.

وهذا هو الذي قرره كثير من أهل العلم يقول الداودي (الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر) (٩).

على أنه ينبغي أن يعلم أن العزل هنا ينبغي تقييده بأمرين:

أن يفحش فسق الحاكم وظلمه بحيث لا يمكن إصلاحه وتقويمه.

أن يتولى أمر العزل أهل الحل والعقد فكما أنهم تولوا العقد فكذلك الحل والعزل ولا يترك الأمر للدهماء من العامة فيكثر الهرج وتنتشر الفتنة. مفهوم الطاعة والعصيان لعبد الله الطريقي ص: ٧٦


(١) رواه مسلم (٥٥). من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
(٢) [١٣٤٨١])) رواه مسلم (١٨٥٥). من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
(٣) [١٣٤٨٢])) رواه البخاري (٥٨).
(٤) [١٣٤٨٣])) ((الاستذكار)) (٢٧/ ٣٦١).
(٥) [١٣٤٨٤])) ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٦٩٣ - ٦٩٤).
(٦) [١٣٤٨٥])) رواه البخاري (٦٨٧٤)، ومسلم (٩٨). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٧) [١٣٤٨٦])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٢/ ٢٢٩).
(٨) [١٣٤٨٧])) انظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (٣/ ٣).
(٩) [١٣٤٨٨])) انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (١٣/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>