للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة من هذه الآيات أنها جميعًا جاءت متفقة على الأمر بالوحدة والتضامن، والنهي عن التشتت والافتراق والاختلاف، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت، وكلها تدل على وجوب وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان إمامها واحدًا لا ينازعه أحد، إذ إن وجود إمامين فأكثر يؤدي إلى غيرة أحدهما من الآخر، ومنافسته له، ومحاولة التعالي عليه، ومن ثم إلى الشقاق والتناحر لا محالة، وهذا مما نهى الإسلام عنه، فدل على وجوب أن يكون إمام المسلمين واحدًا، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

٢ - من السنة:

أما من السنة فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث صحيحة صريحة في هذه تدل على وجوب منع تعدد الأئمة في الزمن الواحد ومن هذه الأحاديث:

أ- ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) (١). فالأمر بقتل الآخر يدل على تحريم نصب إمامين في آن واحد، لأن القتل لا يكون إلا عن كبيرة يتفاقم خطرها. لذلك فلا يجوز عقد البيعة لخليفتين في زمن واحد.

وأول بعض العلماء القتل هنا بالخلع والاعتراض عليه لا بالقتل الحقيقي (٢).

ولكن هذا التأويل لا محل له ومردود بالحديث التالي:

ب- ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر ... )) الحديث (٣).

جـ- ما رواه أبو حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: وفوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)) (٤).

د- ومنها ما رواه عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)) (٥).

٣ - الإجماع:

فإن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يلي إمامة الأمة أكثر من واحد، ودليل ذلك أن المهاجرين لم يوافقوا الأنصار في طلبهم أن يكون منهم أمير، ومن المهاجرين أمير حينما طلبوا ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكان مما روي في ذلك الموقف قول أبي بكر رضي الله عنه: (هيهات أن يجتمع سيفان في غمد) (٦) عندئذٍ رضي الأنصار بذلك، فصار ذلك منهم إجماعًا على عدم جواز تعدد الأئمة، بل روى البيهقي في الخطبة نفسها عبارة أكثر تصريحًا من السابقة وهي قوله: (أنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم، وتتفرق جماعتهم ويتنازعون فيما بينهم، هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح) (٧).


(١) [١٣٤٩٦])) رواه مسلم (١٨٥٣).
(٢) [١٣٤٩٧])) انظر: ((فتح الباري)) (١٢/ ١٥٦).
(٣) [١٣٤٩٨])) انظر: ((فتح الباري)) (١٢/ ١٥٦).
(٤) [١٣٤٩٩])) رواه البخاري (٣٤٥٥)، ومسلم (١٨٤٢).
(٥) [١٣٥٠٠])) رواه مسلم (١٨٥٢).
(٦) [١٣٥٠١])) انظر: ((فتح الباري)) (١٢/ ١٥٣). وقيل: إنه من قول عمر. وهو عند البزار وغيره.
(٧) [١٣٥٠٢])) ((السنن الكبرى)) للبيهقي (٨/ ١٤٥) عن ابن إسحاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>