للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرطبي: قال علماؤنا أنبأنا ربنا - تبارك وتعالى- في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه، فجعلنا أولاً مكاناً وإن كنا آخراً زماناً كما قال عليه السلام ((نحن الآخرون الأولون)).

وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ولا ينفذ قول غير العدول على غيرهم إلا أن يكونوا عدولاً (١).

وهذا القول يزيد ترجيحنا قوة.

وقد اختلف في لفظة كان فقيل هي بمعنى الحدوث والوقوع، والمعنى وجدتم خير أمة وعلى هذا فكان فعل تام، وقيل كان ناقصة وهي عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض ولا تدل على انقطاع طارئ بدليل قوله: إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء: ٢٣]. فعلى هذا التقدير يكون المعنى كنتم خير أمة، وقيل معناه كنتم مذكورين في الأمم الماضية فأنتم خير أمة، وقيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ موصوفين بأنكم خير أمة (٢).

وقال الرازي في تفسيره: المعنى أنكم (كنتم) في اللوح المحفوظ خير الأمم وأفضلها، فاللائق بهذا ألا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة وأن لا تزيلوا عن أنفسكم هذه الخصلة المحمودة وأن تكونوا منقادين مطيعين في كل ما يتوجه عليكم من التكاليف (٣).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال في قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: ١١٠] قال: ((خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا الإسلام)) (٤).

وقال قتادة: (هم أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- لم يؤمر نبي قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم في الإسلام فهم خير أمة أخرجت للناس) (٥).

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال ((إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)) (٦).

فالله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية الكريمة بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم التي خلقت من قبل وذلك بسبب فضائل كثيرة منها أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وحري بكل مسلم يتلو هذه الآية أو يسمعها أن يطبق ما تدعو إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل عليه أن يطبقه على نفسه أولاً ثم على إخوانه المسلمين وغيرهم ثانياً، فيفعل الخير ويأمر به ويتجنب الشر ويحذر منه وليعلم أنه متى ترك هذا الجانب المهم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فإنه يفقد الفضيلة التي وصف الله بها المؤمنين.

لذا ينبغي لكل مسلم ولا سيما الدعاة أن يجعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءاً من حياتهم.

٢ - ويقول تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: ١١٤].


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي (٢/ ١٥٦، ١٥٧).
(٢) ((روح المعاني)) الألوسي (٥/ ٢٧٠هـ)
(٣) ((التفسير الكبير ومفاتيح الغيب)) الفخر الرازي (٤/ ١٧٣هـ)
(٤) رواه البخاري (٤٥٥٧).
(٥) ((تفسير العلامة أبي السعود)) (١/ ٥٣٣)
(٦) رواه الترمذي (٣٠٠١)، وابن ماجه (٣٤٨٠)، وأحمد (٥/ ٣) (٢٠٠٤١)، والحاكم (٤/ ٩٤)، والبيهقي (٩/ ٥) (١٨١٧٢). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٦/ ١١٢)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٨/ ٧٣): حسن صحيح، وله شاهد مرسل رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>