للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجوى السر بين الاثنين أو الجماعة، تقول ناجيت فلاناً ونجا، وهم يتناجون، ونجوت فلاناً أنجوه نجوى أي أناجيه، فنجوت مشتقة من نجوت الشيء أنجوه: أي أخلصته وأفردته، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله. فالنجوى المسارة (١).

وقال جماعة من المفسرين: إن النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين سواء كان ذلك سراً أو جهراً (٢).

وقيل النجوى: الإسرار في التدبير (٣).

معنى الآية: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث إلا فيما كان من أعمال الخير (٤).

وقال القشيري: أفضل الأعمال ما كانت بركاته تتعدى صاحبه إلى غيره، ففضيلة الصدقة يتعدى نفعها إلى من تصل إليه، والفتوة أن يكون سعيك لغيرك، وأما المعروف فكل حسن في الشرع معروف، ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيما لهم فيه قربة إلى الله وزلفى عنده، وإعلاء التواصي بالطاعة، ومن تصدق بنفسه على طاعة ربه وتصدق بقلبه على الرضى بحكمه ولم يخرج بالانتقام لنفسه، وحث الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية إلى ربهم وأصلح بين الناس بصدقه في حاله، فإن لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه (٥).

فالله سبحانه وتعالى بين أنه لا خير فيما يتناجى فيه الناس إلا ما كان فيه الحث على الصدقة وفعل المعروف والإصلاح بين الناس.

٣ - قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: ٧١].

قال أبو السعود في قوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض: بيان لحسن حال المؤمنين والمؤمنات حالاً ومالاً إثر بيان قبح حال أضدادهم عاجلاً وآجلاً (٦).

وقيل: قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف (٧).

وأما قوله: يَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر [التوبة: ٧١] أي يأمرون بعبادة الله تعالى وتوحيده وكل ما أتبع ذلك، وينهون عن عبادة الأوثان وكل ما أتبع ذلك (٨).

فالآية تفيد أن المؤمنين جميعاً من رجال ونساء ينطلقون من قاعدة واحدة، وهي أنهم يأمرون بالأمور الحسنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وينهون عن كل ما خالف الشرع من العقائد الفاسدة والأعمال السيئة والأخلاق الرديئة، ومن هذا شأنه أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ [التوبة: ٧١] يدخلهم الله في رحمته ويشملهم بإحسانه (٩).

وقال الزمخشري في تفسيره: السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد والوعيد (١٠).

إذاً فمن هذه صفته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإن الله سبحانه وتعالى يدخله في رحمته، وذلك فضل منه وتكرم وإحسان وليس من باب الوجوب فالله - سبحانه وتعالى- لا يجب عليه شيء ولو عامل عباده بعدله لم ينج منهم أحد.


(١) انظر: ((الصحاح)) الجوهري (٦/ ٢٥٠١، ٢٥٠٣).
(٢) ((فتح القدير)) الشوكاني (٢/ ٥١٤، ٥١٥)
(٣) ((تفسير البغوي)) (١/ ٤٧٩).
(٤) ((روح المعاني)) الألوسي (٥/ ٤٠٣).
(٥) ((لطائف الإشارات)) القشيري (١/ ٣٦٣، ٣٦٤).
(٦) ((تفسير أبي السعود)) (٤/ ٨٢).
(٧) ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي م٣، ٤ (٤/ ٢٠٣).
(٨) ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي م٣، ٤ (٤/ ٢٠٣).
(٩) ((تيسير الكريم الرحمن)) عبد الرحمن السعدي (٣/ ٢٦٤)
(١٠) ((تفسير الكشاف)) م١، ٢ (٢/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>