للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وقوله تعالى: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وينهون عن المنكر وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: ١١٣ - ١١٤]

سبب نزولها:

قال الواحدي: قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سَعْيَة وأسيد بن سَعْيَة وأسعد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد خنتم واستبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله هذه الآية (١).

معنى الآية:

ليسوا سواء تفرقة بين هاتين الفرقتين من أهل الكتاب اليهود والنصارى وأنهم ليسوا سواء على وضع واحد في موقفهم من الإسلام والمسلمين، وإذا كانت الآية الكريمة قد فرقت بين الفرقتين فإنها لم تحدد أي الفريقين من أهل الكتاب هو المتجه إليه الحكم في قوله من أهل الكتاب.

أمة قائمة في إطلاق الحكم هكذا بحيث يدخل فيه الفريقان معاً حكم عظيمة تبين أنه في كلا الفريقين من أهل الكتاب اليهود والنصارى جماعات قائمة على الحق مؤمنة بالله واليوم الآخر تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (٢).

فمعنى الآية ليس أهل الكتاب على حد سواء، بل منهم المجرم ومنهم المسلم القائم على الحق المستقيم على الهدى التالي لآيات الله والساجد له والمؤمن بالبعث بعد الموت الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. ومن كانت هذه حاله فهو من (الصالحين) أي من جملة من صلحت أحوالهم عند الله عز وجل واستحقوا رضاه وثناءه (٣).

فالله سبحانه وتعالى أثنى عليهم لاتصافهم بالصفات المذكورة ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٥ - وقوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: ١١٢].

أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله التائبون العابدون (٤) الآية.

التائبون الراجعون إلى طاعة الله تعالى عن الحالة المخالفة للطاعة.

وهل المراد التوبة من الشرك أو من كل معصية أو الأظهر أنه من كل معصية؟

قال في فتح البيان ( .. ثم قيل المراد بالتوبة عن الشرك والبراءة من النفاق وقيل من كل معصية) (٥).

(العابدون) المؤدون لما أوجب الله عليهم من الطاعات القولية والفعلية (٦).

(السائحون) الصائمون (٧).

(الراكعون الساجدون) المكثرون من الركوع والسجود في صلاة الفرض والنفل (٨).

(الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر).

أي الآمرون بجميع ما أمر الله ورسوله بفعله والناهون عن جميع ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركه.

قال المراغي: أي الداعون إلى الإيمان وما تبعه من أعمال البر والخير والناهون عن الشرك وما بسبيله من المعاصي والسيئات (٩).


(١) ((أسباب النزول)) الواحدي (ص: ٨٧).
(٢) ((التفسير القرآني للقرآن)) عبد الكريم الخطيب (١/ ٥٦١).
(٣) انظر إلى: ((زاد المسير)) ابن الجوزي (١/ ٤٤٢).
(٤) ((الدر المنثور في التفسير المأثور)) السيوطي (٣/ ٢٨١).
(٥) ((فتح البيان في مقاصد القرآن)) صديق خان (٤/ ٢٠٥).
(٦) انظر ((تفسير التحرير والتنوير)) محمد عاشور (١١/ ٩١).
(٧) ((زاد المسير)) ابن الجوزي (٣/ ٥٠٦).
(٨) ((زاد المسير)) ابن الجوزي (٣/ ٥٠٦).
(٩) ((تفسير المراغي)) (٤/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>