للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والحافظون لحدود الله) أي الحافظون لشرائعه وأحكامه التي بين فيها ما يجب على المؤمنين اتباعه وما يحظر عليهم فعله منها، وكذا ما يجب على أئمة المسلمين وأولي الأمور منهم إقامته وتنفيذه بالعمل في أفراد المسلمين وجماعتهم إذا أخلوا بما يجب عليهم حفظه منها (١).

(وبشر المؤمنين) أي وبشر المؤمنين المتصفين بالصفات المذكورة في الآية الكريمة.

ففي هذه الآية دليل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله أثنى عليهم وبشرهم.

وفي الآية إظهار في مقام الإضمار اعتناء بهم وتشريفاً لقدرهم وحذف المبشر به إشارة إلى أنه لا يدخل تحت الحصر بل لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (٢).

٦ - وقوله تعالى: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ [هود: ١١٦].

فهذا دليل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إنه كان سبباً لنجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وهلاك الآخرين.

يقول الشيخ: عبد الرحمن السعدي:

(وهذا حث لهذه الأمة أن يكون فيهم بقايا مصلحون لما أفسد الناس قائمون بدين الله يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويبصرونهم من العمى، وفي هذه الحالة أعلى حالة يرغب فيها الراغبون وصاحبها يكون إماماً في الدين إذا جعل عمله خالصاً لرب العالمين) (٣).

٧ - وقوله تعالى: واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف: ١٦٣ - ١٦٥].

فالله سبحانه وتعالى يخبر عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق، فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا أي لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم قالت لهم المنكرة: مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ أي نفعل ذلك مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ولعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ ارتكبوا المعصية بِعَذَابٍ بَئِيسٍ فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحون ولا ارتكبوا عظيماً فيذمون (٤).


(١) ((تفسير المراغي)) (٤/ ٣٤).
(٢) ((الصاوي على الجلالين)) (٢/ ١٤٦).
(٣) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٣/ ٤٦٨، ٤٦٩).
(٤) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>