للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩ - وقوله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: ٤٠ - ٤١].

يقول الفخر الرازي: ولولا دفاع الله أهل الشرك بالمؤمنين من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبغونه من مواضع العبادة ولكنه دفع هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل العبادة وبناء البيوت لها. لهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام (١).

وقيل لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد (٢).

وقيل لولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة، وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار (٣).

والصوامع: قيل إنها صوامع الرهبان. قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد، وقيل إنها صوامع الصابئين. قاله قتادة.

وأما البيع فقيل: هي بيع النصارى. وأما الصلوات فقيل: إنها كنائس اليهود وقيل مساجد الصابئين.

وأما المساجد: فقيل مساجد المسلمين قاله ابن عباس (٤).

وروي عن الحسن أنها بأسرها أسماء المساجد، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد (٥) ولا يخفى علي أوالقول من بعد. والذي حمله على ذلك هو أنه لا يمكن أن يدافع عن هذه الأماكن والعبادة فيها باطلة ولكن المعنى: أن هذه الأماكن مع أنها مخصصة للعبادة لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها ... (٦).

وقوله وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ أي ينصر دينه وأولياءه فهو قوي على نصر أوليائه والانتقام من أعدائه.

وقوله: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ هذا إخبار عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم الله في الأرض وبسط لهم الدنيا كيف يقومون بأمر الدين. وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ أي مرجعها إلى تقديره وفيه تأكيد لما وعد من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته (٧).

وقال سيد قطب -رحمه الله-:


(١) ((تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب) م١٢ (٢٣/ ٤٠، ٤١)
(٢) ((فتح القدير)) الشوكاني (٣/ ٤٥٧).
(٣) ((فتح القدير)) الشوكاني (٣/ ٤٥٧).
(٤) ذكر هذه الأقوال ابن الجوزي ((زاد المسير)) (٥/ ٤٣٦، ٤٣٧).
(٥) ((تفسير الفخر الرازي)) م١١ (٢٣/ ٤١).
(٦) انظر إلى ((الظلال)) سيد قطب (٤/ ٢٤٢٥).
(٧) ((تفسير القرآن الجليل)). المسمى ((بمدارك التنزيل وحقائق التأويل)) النسفي (٣/ ٢٧٩هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>