للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ فحققنا لهم النصر وثبتنا لهم الأمر أَقَامُوا الصَّلَاةَ فعبدوا الله ووثقوا صلتهم به واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين وآتوا الزكاة فأدوا حق المال وانتصروا على شح النفس، وتطهروا من الحرص، وغلبوا وسوسة الشيطان، وسدوا خلة الجماعة، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج، وحققوا لها صفة الجسم الحي، وأمروا بالمعروف فدعوا إلى الخير والصلاح ودفعوا إليه الناس، ونهوا عن المنكر فقاوموا الشر والفساد، وحققوا بهذا وذاك الأمة المسلمة التي لا تبقي على منكر وهي قادرة على تغييره، ولا تقعد عن معروف وهي قادرة على تحقيقه. هؤلاء هم الذين ينصرون الله إذ ينصرون نهجه الذي أراده للناس في الحياة معتزين بالله وحده دون سواه وهؤلاء هم الذين يعدهم الله بالنصر على وجه التحقيق واليقين (١).

فالله سبحانه وتعالى في آخر هذه الآيات وضع الأسس والقواعد للطائفة الحاكمة، وبين أن القيام بهذه القواعد سبب للتثبيت والنصر وأن الإخلال بها أو ببعضها سبب للهزيمة والإبعاد وربما يصحب ذلك عذاب. وهذه القواعد:

١ - أن تقيم الصلاة في نفسها وفي مجتمعها وأن تؤدى كما يؤديها المصطفى صلى الله عليه وسلم كاملة الشروط والأركان والواجبات ...

٢ - وأن تؤدي الزكاة من نفسها أولاً ثم هي تأخذها من الأغنياء وتردها على الفقراء والمحتاجين ثانياً.

٣ - وأن تأتمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر أولاً ثم هي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتناصر أهله وتحميهم وتعينهم على ذلك ثانياً.

فإذا حققت هذه الأسس كتب الله لها البقاء والنصر وإذا خالفت فلترتقب زوالها وخذلانها في أية ساعة من ليل أو نهار.

وهذا دليل واضح في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إنه كان سبباً أساسياً في النصر إن أقيم أو الهزيمة إن ترك.

١٠ - قول الله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: ٦٣].

قال في البحر المحيط: لولا تخصيص يتضمن توبيخ العلماء والعباد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله تعالى والأمر بالمعروف (٢).

وقال الطبري -رحمه الله-: هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الربا في الحكم من اليهود من بني إسرائيل ربانيوهم وهم أئمتهم المؤمنون وساستهم العلماء، وأحبارهم وهم علماؤهم وقوادهم عن قولهم الإثم يعني قول الكذب والزور وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير ما أنزل الله. ثم يقولون هذا حكم الله وأكلهم السحت يعني الرشوة (٣).

وقال أيضا -رحمه الله-: ما في القرآن أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها (٤).

فالآية فيها تخصيص يتضمن توبيخاً من جهة، ومن جهة أخرى فإذا كان الله تعالى ذم كبار القوم لعدم قيامهم بالأمر بالمعروف فإنه بالمقابل يحب الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى رغب في الأمر بالمعروف وبين فضله من خلال النصوص السابقة فإنه رهب الذين يتركونه ولعنهم فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة: ٧٨، ٧٩].


(١) ((في ظلال القرآن)) سيد قطب (٤/ ٢٤٢٧، ٢٤٢٨).
(٢) ((البحر المحيط)) أبو حيان (٣/ ٥٢٢).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٦/ ١٩٢، ١٩٣).
(٤) ((تفسير الطبري)) (٦/ ١٩٢، ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>