للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء من حديث جرير –رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب)) (١).

وعن حذيفة –رضي الله عنه مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) (٢).

ولما قالت أم المؤمنين زينب –رضي الله عنها-: ((أنهلك وفينا الصالحون؟)) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا كثر الخبث)) (٣).

وقال بلال بن سعد –رحمه الله-: (إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة) (٤).

وقال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا كلهم العقوبة) (٥).

هذا وإن العقوبات تتنوع وتقع بصور مختلفة، فمنها ما يكون بالتدمير بالزلازل أو الفيضانات أو نقص الأنفس من جراء الحروب أو الأوبئة أو نقص الثمرات، ومنها ما يكون بالريح، أو بإدالة الأعداء، أو بتولي أهل الشر وتسلطهم على رقاب المسلمين (ولا تكون القيادة لأهل الشر إلا إذا تخلى عنها أهل الخير ورضوا من إيمانهم بإيمان صوري، أو إيمان ناقص لا يلحقهم بهذه الخيرية، وإنما يعاقبهم بتسليط أهل الشر عليهم فيحكمونهم بالحكم الدنيوي المرخص لأعراضهم والمهدر لكرامتهم والمصادر لأموالهم .. ) (٦).

وبهذا تعلم أن العاصي لا يضر نفسه فحسب، وإنما يضر مجتمعه بأكمله، وقد شبه الرسول –صلى الله عليه وسلم- حاله مع حالهم بقوله: ((مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها. فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعاً، وإن تركوهم غرقوا جميعاً)) (٧).


(١) رواه أبو داود (٤٣٣٩) بلفظ: ((ما من رجل يكون في قوم .. ))، وابن ماجه (٣٢٥٤)، وأحمد (٤/ ٣٦٤) (١٩٢٥٠)، وابن حبان (١/ ٥٣٦) (٣٠٠)، والبيهقي (١٠/ ٩١) (١٩٩٧٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الذهبي في ((المهذب)) (٨/ ٤٠٧٣): له متابعة، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: إسناده حسن، عبيد الله بن جرير روى عنه جمع وذكره ابن حبان في ((الثقات))، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
(٢) رواه الترمذي (٢١٦٩)، وأحمد (٥/ ٣٩١) (٢٣٣٧٥). قال الترمذي: حسن، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٣٥٧): حسن إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمر، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ٤٨٤) كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (٤/ ٣٥٨): إسناده جيد.
(٣) رواه البخاري (٣٣٤٦)، ومسلم (٢٨٨٠).
(٤) ((الزهد)) لابن المبارك رقم (١٣٥٠)، ((الحلية)) (٥/ ٢٢٢)، ((الشعب)) (٦/ ٩٩) (٧٦٠١).
(٥) ((الموطأ)) رقم (١٨٢٠)، ((الزهد)) لابن المبارك رقم (١٣٥١)، ((مسند الحميدي)) (١/ ١٣١)، وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز (ص: ٢٥٠)، و ((الشعب)) (٦/ ٩٩) (٧٦٠٢).
(٦) ما بين الأقواس نقلته من ((صفوة الآثار)) (٤/ ٢٨٣).
(٧) رواه الترمذي (٢١٧٣)، والبزار (١/ ٤٩١) (٣٢٩٨). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٦٨٧) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>