للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - انتفاء وصف الخيرية عن هذه الأمة: وذلك أن الحكم المقرون بالوصف المناسب له يدل على أنه معلل بذلك الوصف، فيدور الحكم مع الوصف وجوداً وعدماً، كما قال في المراقي:

دلالة الإيماء والتنبيه ... في الفن تقصد لدى ذويه

أن يقرن الوصف بحكم إن يكن ... لغير علة يعبه من فطن (١)

٣ - أنه يجرئ العصاة والفساق على أهل الحق والخير: فينالون منهم ويتطاولون عليهم (٢) وهذا مشاهد ملموس في هذه الأيام – والله المستعان -.

٤ - أنه سبب لظهور الجهل واندراس العلم (٣): وذلك أنه إذا ظهر المنكر ولم يوجد من ينكره نشأ عليه الصغير وألفه وظن أنه من الحق، كما هي الحال في كثير من المنكرات اليوم.

٥ - أن في هذا الأمر تزييناً للمعاصي عند الناس وفي نفوسهم (٤)؛ لأن صاحب المنكر كالبعير الأجرب يختلط بالإبل فتجرب جميعاً بإذن الله .. !!

والناس كأسراب القطا قد جبل بعضهم على التشبه ببعض .. !!

فإذا أضفت إلى ذلك ما يوجد داخل النفس من الأمر بالسوء، وحب الشهوة، فإذا وجد المنكر عند الناس في الخارج قوي الباعث الذي في النفس!!

فإذا كان الفاعل له في الخارج من نظراء هذا ازداد طلبه له، ويشتد الدافع له إذا وجد من يأمره به ويرغبه بارتكابه .. ويعظم الدافع إلى ارتكابه إذا أوذي بسبب تركه ونيل منه بسبب مجانبته .. !!

هذا وإن أهل الفساد لا يرضون إلا بموافقته لهم ويكرهون من تنزه عن ذلك. وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إلى أن المرأة الزانية تود أن النساء كلهن يزنين .. ونقله عن بعض السلف.

علماً أنه لو وقع فيه معهم لانتقصوه وصغر في أعينهم .. واتخذوا من فعله هذا حجة عليه يطعنون بها متى شاؤوا!! (٥).

٦ - عدم إجابة الدعاء: جاء هذا في حديث عائشة –رضي الله عنها- مرفوعاً: ((مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم)) (٦) وقد تقدم حديث حذيفة قريباً وفيه: ((ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) (٧).

٧ - سبب ظهور غربة الدين: واختفاء معالمه، وتفشي المنكرات والكفر والظلم .. وهذا هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)) (٨) فكلما انتشر الفساد والظلم كلما ازدادت الغربة .. حتى يصبح المتمسك بدينه غريباً بينهم .. وحتى تصبح السنن والهدى من الأمور المرفوضة والمستهجنة عند هذا الجنس السيئ من الخلق .. قال الخلال: (أخبرني عمر بن صالح بطرسوس، قال: قال لي أبو عبد الله: يا أبا حفص: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع.


(١) انظر: ((نشر البنود)) (١/ ٩٣ – ٩٤) و ((صفوة الآثار)) (٤/ ٢٨٣).
(٢) ((تفسير السعدي)) (٢/ ١٥٥).
(٣) ((تفسير السعدي)) (٢/ ١٥٥).
(٤) ((تفسير السعدي)) (٢/ ١٥٥).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٢١٥)، ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص: ٣٧، ٤٤ – ٤٧).
(٦) رواه ابن ماجه (٣٢٥١) واللفظ له، وابن حبان (١/ ٥٢٦) (٢٩٠)، والبيهقي (١٠/ ٩٣) (٢٠٦٩٥)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٦/ ٣٧٧) (٦٦٦٥). وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٧) رواه الترمذي (٢١٦٩)، وأحمد (٥/ ٣٩١) (٢٣٣٧٥). قال الترمذي: حسن، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٣٥٧): حسن إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمر، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ٤٨٤) كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (٤/ ٣٥٨): إسناده جيد.
(٨) رواه مسلم (١٤٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>