للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى سعيد بن منصور في (سننه): حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن عامر الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتم بالصلاة اهتماماً شديداً، تبين ذلك فيه، وكان فيما أهتم به من أمر الصلاة: أن ذكر الناقوس، ثم قال: هو من أمر النصارى، ثم أراد أن يبعث رجالاً يؤذنون الناس بالصلاة، في الطرق، ثم قال: أكره أن أشغل رجالاً عن صلاتهم بأذان غيرهم، وذكر رؤيا عبد الله بن زيد.

ويشهد لهذا ما أخرجاه في (الصحيحين)، عن أبي قلابة، عن أنس قال: ((لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان - ويوتر الإقامة)). (١).

وفي (الصحيحين)، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر قال: ((كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون، فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فناد بالصلاة)) (٢). اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية– ص٣١٥

وأن كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم بوق اليهود وناقوس النصارى لعلة المخالفة، وهذا يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقاً في غير الصلاة أيضاً، لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة، غير أوقات عباداتهم.

وإنما شعار الدين الحنيف الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله، الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة.

وقد ابتلي كثير من هذه الأمة، من الملوك وغيرهم بهذا الشعار اليهودي والنصراني، حتى إنا رأيناهم، في هذا الخميس الحقير الصغير (٣) , يزفون البخور، ويضربون له بنواقيس صغار، حتى إن من الملوك من كان يضرب بالأبواق، والدبادب، في أوقات الصلوات الخمس، وهو نفس ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من كان يضرب بها طرفي النهار، تشبهاً منه - زعم - بذي القرنين، ووكل ما دون ذلك إلى ملوك الأطراف.

وهذه المشابهة لليهود والنصارى، وللأعاجم: من الروم والفرس، لما غلبت على ملوك المشرق، هي وأمثالها، مما خالفوا به هدي المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله - سلط عليهم، الترك الكافرون، الموعود بقتالهم حتى فعلوا في العباد والبلاد، ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: ((لتركبن سنن من كان قبلكم)) (٤). اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص٣١٨


(١) [١١٧٩])) رواه البخاري (٦٠٣) , ومسلم (٣٧٨).
(٢) [١١٨٠])) رواه البخاري (٦٠٤) , ومسلم (٣٧٧).
(٣) [١١٨١])) الخميس الصغير: يوم من أيام النصارى التي يحتفلون بها، وهو الواقع قبل آخر الخميس من أيام صومهم، ويحتفلون بهذا الخميس الصغير تقديماً للاحتفال بيوم الخميس الكبير، وهو آخر صوم النصارى، وهو عيد المائدة. (من تعليق: د. ناصر بن عبد الكريم العقل).
(٤) [١١٨٢])) رواه الترمذي (٢١٨٠) وأحمد (٥/ ٢١٨) (٢١٩٥٠) وابن حبان (١٥/ ٩٤) والطبراني (٣/ ٢٤٤) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٣٤٦) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح, وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (٢/ ٥٤): [أشار في المقدمة إلى صحته] , وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>