للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً - ففي (الصحيحين) عن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غداً، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ((ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن: فعظم، وأما الظفر: فمدى الحبشة)) (١).

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالظفر، معللاً بأنها مدى الحبشة، كما علل السن: بأنه عظم، وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي: إلى أن علة النهي كون الذبح بالسن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظنة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوغوا على هذا، الذبح بالسن والظفر المنزوعين، لأن التذكية بالآلات المنفصلة المحددة، لا خنق فيه، والجمهور منعوا من ذلك مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: استثنى السن والظفر مما أنهر الدم، فعلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التذكية به، ولو كان لكونه خنقاً، لم يستثنه، والمظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها فلا.

وأيضاً - فإنه مخالف لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص في الحديث، ثم اختلف هؤلاء، هل يمنع من التذكية بسائر العظام، عملاً بعموم العلة؟ على قولين، في مذهب أحمد وغيره.

وعلى الأقوال الثلاثة: فقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأما الظفر فمدى الحبشة) بعد قوله: ((وسأحدثكم عن ذلك))، يقتضي أن هذا الوصف - وهو كونه مدى الحبشة - له تأثير في المنع: إما أن يكون علة، أو دليلاً على العلة، أو وصفاً من أوصاف العلة، أو دليلها، والحبشة في أظفارهم طول، فيذكون بها دون سائر الأمم، فيجوز أن يكون نهى عن ذلك: لما فيه من مشابهتهم فيما يختصمون به.

وأما العظم: فيجوز أن يكون نهيه عن التذكية به، كنهيه عن الاستنجاء به لما فيه من تنجيسه على الجن، إذ الدم نجس، وليس الغرض هنا ذكر مسألة الذكاة بخصوصها، فإن فيها كلاماً ليس هذا موضعه. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص٣١٠

وأيضاً - فقد روى أبو داود في (سننه)، وغيره من حديث هشيم: أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: ((اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكروا له القنع، شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكروا له الناقوس، قال: هو من فعل النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهو مهتم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله: إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما منعك أن تخبرنا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله قال: فأذن بلال)) (٢)، قال أبو بشر: فحدثني أبو عمير: أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد، لولا أنه كان يومئذ مريضاً، لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً.


(١) [١١٧٧])) رواه مسلم (١٩٦٨).
(٢) [١١٧٨])) رواه أبو داود (٤٩٨) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (١/ ٣٩٠) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (٢٤/ ٢١): حسن, وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٢/ ٩٧): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((جلباب المرأة)) (١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>