للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا ما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث عياش بن عباس، عن ابن الحصين - يعني الهيثم بن شفي - قال: خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر - رجل من المعافر - لنصلي بإيلياء، وكان قاصهم - رجل من الأزد - يقال له: أبو ريحانة، من الصحابة، قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم ردفته فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا قال: سمعته يقول ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل بأسفل ثيابه حريراً، مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريراً، مثل الأعاجم، وعن النهبى، وركوب النمور، ولبوس الخاتم، إلا لذي سلطان)) (١). وفي رواية عن أبي ريحانة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. .. هذا الحديث محفوظ من حديث عياش بن عباس، رواه عنه المفضل بن فضالة، وحيوة بن شريح المصري، ويحيى بن أيوب، وكل منهم ثقة، وعياش بن عباس روى له مسلم، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وأما أبو الحصين - الهيثم ين شفي - قال الدارقطني - شفي بفتح الشين وتخفيف الفاء وأكثر المحدثين يقولون: شفي هو غلط - وأبو عامر الحجري فشيخان، قد روى عن كل واحد منهما، أكثر من واحد، وهما من الشيوخ القدماء.

وهذا الحديث: قد أشكل على أكثر الفقهاء، من جهة أن يسير الحرير قد دل على جوازه نصوص متعددة، ويتوجه تحريمه على هذا الأصل وهو: أن يكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما كره أن يجعل الرجل على أسفل ثيابه، أو على منكبيه حريراً، مثل الأعاجم، فيكون المنهي عنه نوعاً كان شعاراً للأعاجم، فنهى عنه لذلك، لا لكونه حريراً، فإنه لو كان النهي عنه لكونه حريراً لعم الثوب كله، ولم يخص هذين الموضعين، ولهذا قال فيه: ((مثل الأعاجم)).

والأصل في الصفة: أن تكون لتقييد الموصوف، لا لتوضيحه، وعلى هذا: يمكن تخريج ما رواه أبو داود، بإسناده صحيح، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا أركب الأرجوان، ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير، قال: فأومأ الحسن إلى جيب قيمصه قال: وقال: ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له)) (٢) قال سعيد: أراه قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء، على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت، أو يخرج هذا الحديث على الكراهة فقط. وكذلك: قد يقال في الحديث الأول، لكن في ذلك نظر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص٣٠٧


(١) [١١٧٥])) رواه أبو داود (٢/ ٤٤٦) , والنسائي (٨/ ١٤٣) (٥٠٩١) , وأحمد (٤/ ١٣٤) (١٧٢٤٨) , والدارمي (٢/ ٣٦٣) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٣/ ٢٧٧) , قال أبو داود الذي تفرد به من هذا الحديث خبر الخاتم, وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (٧/ ٤٠٠): مسند لا تجد بمثل إسناده حجة, وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)).
(٢) [١١٧٦])) رواه أبو داود (٤٠٤٨) , وأحمد (٤/ ٤٤٢) (١٩٩٨٩) , والحاكم (٤/ ٢١١) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٣/ ٢٧١) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (١/ ٤٧٨): صحيح ثابت, وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٣٤٦): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>