للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذهب البعض إلى شرطية إذن السلطان أو نائبه للقائم بالاحتساب! وهذا باطل لا دليل عليه من كتاب ولا سنة! بل الدليل يرده ويرفضه!! فكل مسلم يلزمه تغيير المنكر إذا رآه أو علم به وقدر على إزالته أو تغييره .. فلا يختص الأمر ولا النهي بأصحاب الولايات وحدهم دون من سواهم! وقد جرى عمل السلف على ما بينت .. ونقل عليه إمام الحرمين الإجماع وقال: (فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية والله أعلم (١). ا. هـ.

ومن المعلوم بداهة أن الحسبة كما تكون على عامة الناس فإنها تكون على الولاة أيضاً .. فهل يقال بشرطية إذنهم من أجل القيام بالاحتساب عليهم؟!

والحاصل أن الاحتساب لا يشترط فيه إذن الإمام كما لا يشترط فيه إيجاده وإقراره .. فقد أمر به رب العالمين ودعا إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فهو من مهمات الدين ومن ميراث سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-.

نعم لو نصب السلطان رجالاً يقومون على الحسبة وتعاون معهم غيرهم كان ذلك أقوى وأمضى في سبيل إزالة كثير من المنكرات وأجدى في طريق الإصلاح .. لكنه ليس بشرط!! لكن أحسن أحوال الحسبة وأقواها هي الحسبة التي يلتقي فيها قوة السلطان وهيبته ودعمه مع جهود المخلصين الغيورين من رعيته .. فإن الله تعالى أنزل القرآن هدى وشفاء، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس .. والله تبارك وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. والحاصل أن خير صنوف الحسبة ما اجتمع فيه معونة السلاطين والأمراء الأخيار الصادقين وجهود أهل الغيرة من رعاياهم (٢).

وهذا التفضيل الذي ذكرت إنما هو من جهة القوة والتأثير لكن إذا فقد هذا المستوى الرفيع فليس ذلك يعني تخلي المسلمين عن القيام بهذا الواجب.

فلو فرض أن الولاة عطلوها وكادوا لها وحاربوها وتربصوا بها الدوائر وبأهلها وضيقوا عليهم سبيل معاشهم ومجالات تركهم .. فإنه يجب على الرعية أن يقوموا بها حسب استطاعتهم كل بحسبه، وإن غضب السلطان لذلك، فإن وجودها ليس مفتقراً إلى إذنه أو رضاه ومباركته!

نعم .. لو قيل باشتراط إذن الولاة في بعض صور الاحتساب، التي لو كانت فردية بحتة لخشي من ظهور فتنة، فقد يكون لهذا الاشتراط وجه من الصحة، ولكل حالة لبوسها، وإنما نريد التقريب (٣). وسيأتي المزيد من إيضاح هذه الجزئية عند الكلام على مراتب الاحتساب.

٣ - الذكورة (٤):

اعتبر بعض أهل العلم الذكورة من جملة شروط الحسبة المعتبرة (٥) كما حاول أصحاب هذا القول رد ما يدل على خلاف قولهم هذا الذي اختاروه مذهباً لهم.

والحقيقة التي يعرفها من اطلع على كلام أصحاب هذا المذهب هي أن اشتراطهم الذكورة هنا متعلق بتولي ولاية الحسبة والانتصاب لذلك، فيؤديها المنتصب لها على وفق مفهومها الواسع.


(١) انظر: ((شرح النووي على مسلم)) (١/ ٢/٢٣).
(٢) انظر: ((صفوة الآثار)) (٤/ ٢٧٠ - ٢٧١).
(٣) انظر: ((أصول الدعوة)) (١٧١ - ١٧٢).
(٤) انظر: ((الإحياء)) (٢/ ٣٠٨) فما بعدها.
(٥) انظر: ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) للخلال أثر رقم (١٠٦) (ص: ٧٥)، و ((الاستيعاب)) (٤/ ٣٣٥، ٣٤١) وراجع كلام ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (٣/ ١٤٥٨)، و ((القرطبي في تفسيره)) (١٣/ ١٨٣) عند قوله تعالى: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ *النمل: ٢٣* ((الإصابة)) (٤/ ٣٤١)، ((التراتيب الإدارية)) (١/ ٢٨٥ - ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>