والثالث: ما ليس فيه صلاح أصلاً؛ إما لكونه تركاً للعمل الصالح مطلقاً، أو لكونه عملاً فاسداً محضاً.
فأما الأول: فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنها وظاهرها، قولها وعملها، في الأمور العلمية والعملية مطلقاً، فهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه والأمر به، وفعله على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب، والغالب على هذا الضرب هو أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وأما المرتبة الثانية: فهي كثيرة جداً في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة ومن العامة أيضاً، وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملاً صالحاً مشروعاً ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم، كالكفر والكذب والخيانة والجهل، ويندرج في هذا أنواع كثيرة.
فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة كالوصال في الصيام وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليالي لا خصوص لها كأول ليلة من رجب ونحو ذلك، قد يكون حاله خيراً من حال البطال الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته؛ بل كثير من هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء زاهدون في جنس عبادة الله من العلم النافع والعمل الصالح، أو في أحدهما – لا يحبونها ولا يرغبون فيها، لكن لا يمكنهم ذلك في المشروع فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع، ومع هذا: فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر ... (١) ا. هـ. كلام الشيخ –رحمه الله-.
وقال في موضوع آخر: .. وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي –وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له: فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً، إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام.
وعلى هذا إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما؛ بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب نهي عنه. وإن استلزم فوات ما دونه من المعروف ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر، وسيعاً في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً وينهى عن المنكر مطلقاً.
(١) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٦١٦ - ٦٢١).