للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه، وإذا اشتبه استبان المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية .. (١) ا. هـ.

وقال في موضع آخر: ... فأما المؤمنون فالصحو خير لهم، فإن السكر يصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، وكذلك العقل خير لهم لأنه يزيدهم إيماناً.

وأما الكفار فزوال عقل الكافر خير له وللمسلمين؛ أما له فلأنه لا يصده عن ذكر الله وعن الصلاة، بل يصده عن الكفر والفسوق؛ وأما للمسلمين فلأن السكر يوقع بينهم العداوة والبغضاء فيكون ذلك خيراً للمؤمنين، وليس هذا إباحة للخمر والسكر ولكنه دفع لشر الشرين بأدناهما.

ولهذا كنت آمر أصحابنا أن لا يمنعوا الخمر عن أعداء المسلمين من التتار والكرج ونحوهم، وأقول: إذا شربوا لم يصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، بل عن الكفر والفساد في الأرض، ثم إنه يوقع بينهم العداوة والبغضاء، وذلك مصلحة للمسلمين، فصحوهم شر من سكرهم، فلا خير في إعانتهم على الصحو بل يستحب – أو يجب – دفع شر هؤلاء بما يمكن من سكر وغيره.

فهذا في حق الكفار، وفي الفساق والظلمة من إذا صحا كان في صحوه من ترك الواجبات وإعطاء الناس حقوقهم، ومن فعل المحرمات والاعتداء في النفوس والأموال ما هو أعظم من سكره، فإنه إذا كان يترك ذكر الله والصلاة في حال سكره ويفعل ما ذكرته في حال صحوه، لم يكن سكره شراً من صحوه، وإذا كان في حال صحوه يفعل حروباً وفتناً لم يكن في شربه ما هو أكثر من ذلك، ثم إذا كان في سكره يمتنع عن ظلم الخلق في النفوس والأموال والحريم، ويسمح ببذل أموال – تؤخذ على وجه فيه نوع من التحريم – ينتفع بها الناس كان ذلك أقل عذاباً ممن يصحو فيعتدي على الناس في النفوس والأموال والحريم، ويمنع الناس الحقوق التي يجب أداؤها .. فعليك بالموازنة في هذه الأحوال والأعمال الباطنة والظاهرة حتى يظهر لك التماثل والتفاضل، وتناسب أحوال أهل الأحوال الباطنة لذوي الأعمال الظاهرة، لا سيما في هذه الأزمنة المتأخرة التي غلب فيها خلط الأعمال الصالحة بالسيئة في جميع الأصناف لنرجح عند الازدحام والتمانع خير الخيرين وندفع عند الاجتماع شر الشرين، ونقدم عند تلازم – تلازم الحسنات والسيئات – ما ترجح منها، فإن غالب رؤوس المتأخرين وغالب الأمة من الملوك والأمراء والمتكلمين والعلماء والعباد وأهل الأموال يقع غالباً فيهم ذلك .. (٢) ا. هـ.

هذا وقد أطلت في شرح هذا الأصل – أعني مراعاة المصالح ودفع المفاسد – لكون الحاجة ماسة إلى ذلك .. كما أنه من أدق وأجل مسائل هذا الباب. والله أعلم.

ومن الجدير بالذكر أنه ليس كل من اشتغل بالحسبة يكون قادراً على التمييز بين المصالح والمفاسد والموازنة بينها .. وإنما ذلك يحتاج إلى فقه وعلم وعقل وحكمة. وعلى من قصر فهمه وذهنه عن الترجيح بينها أن يسأل غيره ويستشيره. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت – ص ١٧٥


(١) ((رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) لابن تيمية (ص: ٢٠ - ٢٢).
(٢) ((الاستقامة)) (٢/ ١٦٥ - ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>