للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرر أهل السنة حد الرجم – في حق الزاني المحصن – في عقائدهم كما جاءت بذلك الأدلة الثابتة، خلافاً للحرورية وبعض المعتزلة المنكرين للرجم.

قال الإمام أحمد بن حنبل في اعتقاده: (والرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه البينة) (١).

وقال البربهاري: (والرجم حق) (٢).

وقال ابن بطال: (أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامداً عالماً مختاراً فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج) (٣).

وقال ابن قدامة: (وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلاً كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج) (٤).

نخلص من خلال استقراء هذه الفروع الواردة في كتب الاعتقاد إلى النتائج الآتية:

أولاً: ساق أئمة السلف جملة من الفروع والعبادات في ثنايا مصنفاتهم في العقيدة باعتبار أن دين الله تعالى يشمل الأصول والفروع، والاعتقادات والأعمال، كما جاء في مثل قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ... الآية [البقرة: ١٧٧].

وكما جاء في مثل حديث عمرو بن عبسة –رضي الله عنه- حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأي شيء أرسلك؟ فقال رسول الله: ((أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأصنام، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء)) (٥).

وإذا كان اسم الدين يشمل العقائد والأعمال، فكذلك اسم الشريعة ينتظم كل ما شرعه الله من العقائد والأعمال – كما هو اصطلاح غالب أهل الحديث -، كما أن (السنة)، كذلك فتستوعب كل ما سن الرسول وما شرعه في العقائد والأعمال (٦).

وإذا تقرر ذلك فلا إشكال في إيراد مسائل الفروع ضمن مصنفات لأهل السنة التي تسمى (السنة) أو (الشريعة) ونحوهما، وإن كانوا قد يطلقون (السنة) أو (الشريعة). على ما يتعلق بمسائل الاعتقاد فقط.

ثانياً: يظهر من خلال الفروع الواردة وسطية أهل السنة في باب الفروع، كما كانوا وسطاً في باب الاعتقاد، فسلموا من الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء.

يقول شيخ الإسلام – في هذا الصدد-: (وقد تأملت ما شاء الله من المسائل التي يتباين فيها النزاع نفياً وإثباتاً حتى تصير مشابهة لمسائل الأهواء ... فوجدت كثيراً منها يعود بالصواب فيه إلى الوسط .. وكذلك هو الأصل المعتمد في المسائل الخبرية العلمية التي تسمى أصول الدين) (٧).

ويقول –في موضع آخر-: (الانحراف عن الوسط كثير في أكثر الأمور في أغلب الناس) (٨).


(١) أخرجه اللالكائي (١/ ١٦٢)، وانظر: ((اعتقاد ابن المديني)) كما جاء في اللالكائي (١/ ١٦٨).
(٢) ((شرح السنة)) (ص: ٢٧).
(٣) ((فتح الباري)) (١٢/ ١١٨)، وانظر: (١٢/ ١٤٨).
(٤) ((المغني)) (١٢/ ٣٠٩)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (١١/ ٣٣٩).
(٥) رواه مسلم (٨٣٢).
(٦) انظر تفصيل ذلك في: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (١٩/ ١٣٤، ٣٠٦)، و ((الاستقامة)) (٢/ ٣١٠، ٣١١)، و ((النبوات)) (١/ ٣٢٩)، و ((كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة)) لابن رجب (ص: ٢٠).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٢١/ ١٤١) = باختصار.
(٨) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٥٩)، وانظر: ((مدارج السالكين)) (٢/ ٣٠٨)، و ((الموافقات)) (٢/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>