للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاسيما وأن الأدلة الشرعية تذم عموم الابتداع في الدين سواء كان في العقائد أو غيرها كما حرره الشاطبي (١).

كما أن ظهور البدع سبب في خفاء السنة وانطماسها، كما في حديث غضيف بن الحارث– رضي الله عنه – قال: بعث إلى عبد الملك بن مروان فقال: إنا قد جمعنا على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة)) (٢).

قال الحافظ ابن حجر معلقاً على القصة: (وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة، فما ظنك بما لا أصل له فيها. فكيف بما يشتمل على ما يخالفها؟) (٣).

سادساً: وكما حذر السلف من مخالفة الكفار والمبتدعين، حذروا أيضاً من أرباب الأقوال الإمام الأوزاعي: (من أخذ بقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في الصرف، وبقول أهل المدينة في الغناء، فقد جمع الشر كله) (٤).

وكما قال عبد الله بن المبارك: (لا تأخذوا عن أهل مكة في الصرف شيئاً، ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً) (٥).

وذلك أن أهل الكوفة عرفوا بإباحة النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – كما أن أهل مكة أجازوا الصرف، حيث نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه أجاز ربا الفضل (٦). كما عرف بعض أهل المدينة بالترخص في الغناء (٧).

فهذه الرخصة – كما يقول ابن القيم – (تتبعها حرام، ويوهن الطلب، ويرجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص) (٨).

سابعاً: نلحظ من خلال النظر في تلك الفروع – المذكورة في كتب الاعتقاد – تفاوتها كما ونوعاً، وتنوعها حسب تباين هذه الكتب زماناً ومكاناً وحالاً، فمن الفروع ما يكثر إيراده دون غيره، ومن الفروع ما يذكر في مصنف دون مصنف آخر، فهذا التفاوت والتباين حسب الأحوال والملابسات التي تصاحب تأليف هذه المصنفات.

ثامناً: يبدو– من خلال تتبع الأمثلة المذكورة في الفروع – أن أعظم طوائف المبتدعة انحرافاً في الأصول والاعتقاد هم أعظم انحرافاً في الفروع؛ فالرافضة – مثلاً – أشد ضلالاً من الخوارج والمعتزلة في الاعتقاد، ومن ثم كانت مخالفتهم وشذوذهم في المسائل الفقهية سواء في العبادات أو المعاملات أكثر وأظهر.

تاسعاً: يظهر من خلال بعض الفروع الواردة – ما كان عليه السلف الصالح من ذم الحيل المفضية إلى الحرام وما فيها من المخادعة والاستخفاف بشرع الله تعالى، والصد عن سبيل الله تعالى، وشماتة أعداء الإسلام وتسلطهم، كما هو ظاهر في نكاح التحليل، كما يظهر أيضاً عناية السلف الصالح بقاعدة سد الذرائع علماً وتحقيقاً.

قال الشاطبي: (سد الذرائع مطلوب مشروع، وهو أصل من الأصول القطعية في الشرع) (٩).


(١) انظر: ((الاعتصام)) (٢/ ١٩٨).
(٢) رواه أحمد ٤/ ١٠٥ قال الشوكاني ((نيل الأوطار)) (٣/ ٣٣٣): في إسناده ابن أبي مريم وهو ضعيف وبقية وهو مدلس. وقال الألباني ((ضعيف الترغيب)) (٣٧): ضعيف
(٣) ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٥٣، ٢٥٤).
(٤) ((الاستقامة)) لابن تيمية (١/ ٢٧٤).
(٥) ((شرح السنة)) للبربهاري (ص: ٥٢).
(٦) قال ابن قدامة: (والمشهور أن ابن عباس رجع إلى قول الجماعة) ((المغني)) (٦/ ٥٢).
(٧) ولما سئل الإمام مالك عن ذلك الترخص قال: إنما يفعله عندنا الفاسق. انظر: ((الاستقامة)) (١/ ٢٧٤).
(٨) ((مدارج السالكين)) (٢/ ٥٨).
(٩) ((الموافقات)) (٣/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>