للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأدلة التاريخية التي تصلح في هذا المقام: ما ورد أن الشيطان تصور في صورة شيخ نجدي، عندما اجتمعت قريش بدار الندوة، لتمكر بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: ٣٠]. وذلك أن قريشاً اجتمعت بدار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ نجدي عليه بتٌّ، فلما رأوه واقفاً على الباب قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من نجد، سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم رأياً ونصحاً، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم، فأشار بعضهم فقال: نحبسه في الحديد، ونغلق عليه الباب حتى يموت، فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون، ليخرجن أمره من وراء الباب إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من بين أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا غيره، فأشار بعضهم بنفيه من البلاد، فقال الشيخ النجدي: ما هذا لكم برأي، ألم تروا إلى حسن حديثه وغلبته على قلوب الرجال؟ حيث يقدر على تأليف القلوب حوله، أديروا فيه رأياً غير هذا. حتى أشار أبو جهل برأيه الذي استقر عليه الأمر بأخذ شاب من كل قبيلة، فيدخلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام فيقتلوه جميعاً، فيتفرق دمه على القبائل. فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي ولا رأي غيره، فتفرق القوم وهم مجتمعون على هذا (١).

نلاحظ مما تقدم أن الشيطان قد جاء المشركين في صورة رجل، فرأوه وعاينوه.

وقد يظهر الشيطان لبعض الناس في صورة بعض الأموات، وأكبر ما يقع ذلك من المشركين، يقول ابن تيمية: (وقد وقع هذا كثيراً، حتى أنه يتصور لمن يعظم شخصاً في صورته، فإذا استغاث به فيظن ذلك الشخص أنه شيخه الميت) (٢).

ويقول في موطن آخر: (وكذلك يأتي كثيراً من الناس في مواضع ويقول إنه الخضر، وإنما كان جنياً من الجن) (٣).

وغير هذا كثير مما يقع من أتباع الشيطان مع شياطينهم، حيث يتصورون لهم في صور عديدة، ليوهموهم ويستدرجوهم.

الأدلة من السنة:

ورد في السنة المطهرة أحاديث عديدة تدل على تشكل الجن ورؤيتهم، نجتزئ بعضها للاستدلال على ذلك:

١ - ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عفريتا من الجن جعل يفتك عليَّ البارحة، ليقطع عليَّ الصلاة، وأن الله أمكنني منه فذعته، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد، حتى تنظرون إليه أجمعون -أوكلكم -. ثم ذكرت قول أخي سليمان: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي [ص: ٣٥] فرده الله خاسئاً)) (٤).

وقد جاء في روايات أخرى أن الشيطان جاء بشعلة من نار ليحرق بها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم, فأخذه حتى وجد برد لسانه على يده الشريفة.


(١) ((سيرة ابن هشام)) (٢/ ٩٥) باختصار.
(٢) ((النبوات)) (ص: ٢٩٠).
(٣) ((النبوات)) (ص: ٢٩٠).
(٤) رواه البخاري (٤٦١)، ومسلم (٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>