للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنهي عن قتل حيات البيوت لكون الجان يتمثل بصورة الحيات، قال ابن حجر الهيتمي: (إن استثناء هذين – يقصد الأبتر وذا الطفيتين - يقتضي أن الجني لا يتصور بصورتهما، فيسن قتلهما مطلقاً، ثم رأيت الزركشي نقل ذلك عن الماوردي فقال: إنما أمر بقتلهما لأن الجن لا تتمثل بهما، وإنما نهى عن ذوات البيوت لأن الجني يتمثل بهما) (١).

ثم قال ابن حجر: (وما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه مما يقتضي عدم قتله مطلقاً يحمل على ما إذا لم ينذر، وأن الإنذار يتأكد فيه، لأنه أقرب إلى صورة الجن من غيره، وكذلك يحمل على هذا حديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجان إلا الأبتر وذو الطفيتين) (٢).

وأخرج أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض، الذي كأنه قضيب فضة)). وذلك لتمثل الجان في صورة الحيات البيضاء قال أبو داود: (فقال لي إنسان: الجان لا يعرج في مشيته، فإذا كان هذا صحيحاً كانت علامة فيه إن شاء الله) (٣)

وفائدة الإنذار أن الجني الذي يظهر بصورة حية إذا كان مسلماً يخرج بسماعه للإنذار، وإذا لم يخرج فهو جن كافر أو حية، وكل منهما يقتل شرعاً.

والجن يتصور بصورة الكلاب كذلك قال ابن تيمية: (والجن تتصور بصورة الكلب الأسود, وكذلك بصورة القط الأسود, لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة).

فعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: ((عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان)) (٤)).

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة، فعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار, والمرأة, والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان)) (٥). فعلل بأنه شيطان، والجن تتشكل بالصور المختلفة للحيوانات سواء كانت كلاباً أو غيره.

وهكذا يظهر لنا مما تقدم أن الجن يتشكلون في الصور المختلفة، وعندئذ يمكن رؤيتهم، وهذا هو الذي عليه جمهور الفقهاء من المسلمين، لما ورد من الآثار الكثيرة في تشكيلهم ورؤيتهم، وقد مر معنا قسم منها. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات - ص ١٩


(١) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٢٢).
(٢) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٢٤).
(٣) رواه أبو داود (٥٢٦١) وسكت عنه، وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (١٦/ ٣٠): غريب حسن، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ١٣٣).
(٤) رواه مسلم (١٥٧٢).
(٥) رواه مسلم (٥١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>