للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- قوله تعالى في سورة الأنعام: وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ [الأنعام: ١٢٨]. ثم قوله بعد ذلك: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ [الأنعام: ١٣٠]

فهذه الآيات تتحدث عن الجن والإنس وموقفهم من بعضهم بعضاً، واستذكارهم لاستمتاعهم ببعضهم في الدنيا سواء كان بطاعة الإنس للجن فيما يأمرون به من الشهوات، أو التجاء الإنس بالجن عند النزول في واد أو قفر موحش لا أنيس به، وتلذذ بهذه الطاعة من قبل الإنس، التي تشعر بسيادة الجن على الإنس (١) فكان من نتيجة هذا الاستمتاع البعد عن طاعة الله، الذي ترتب عليه الخلود في النار كما نصت عليه الآية الكريمة.

وقوله: قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ [الأنعام: ١٢٨] فيه خطاب للصنفين، وهو صريح في اشتراكهم في العذاب واشتراكهم في العذاب يدل على اشتراكهم في التكليف.

وقوله في الآية الأخرى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا فيه إنذار لهم بالخوف من عذاب ربهم على لسان الرسل الذين بعثوا إليهم، إذ هم تنكبوا الطريق ولم يمتثلوا لهذا الإنذار.

ج - قوله تعالى في سورة سبأ إخباراً عن سليمان عليه السلام: وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ [سبأ: ١٢].

ففي هذه الآية تهديد للجن بالعذاب إذا هم خالفوا أمره تعالى في طاعة نبيه سليمان عليه السلام فيما يسخرهم به من القيام بشتى الأعمال التي يأمرهم بها، وهو يدل على تكليفهم، وإلا لما استحقوا العذاب على هذه المخالفة.

د – ما جاء في سورة الرحمن من التهديد للجن والإنس في قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن: ٣١ - ٤٠].


(١) ((التفسير الكبير)) (١٣/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>