هـ - ما جاء في سورة الجن من إخبار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام من استماع نفر من الجن إليه بقوله عنهم: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [الجن: ١٣ - ١٧]. ثم التعقيب في أواخر السورة بقوله: إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن: ٢٣].
فهو الجزاء من الله للمؤمنين من الجن والإنس على أعمالهم، فإن الله لا يبخس أحداً من عباده على عمل عمله في الدنيا، بالإضافة إلى أن الله لن يحمله في الدنيا أكثر مما يستطيع، أما في الآخرة فإن الله أعد للمسلمين نعيماً مقيماً، لأنهم تحروا الصواب واختاروه عن معرفة وقصد، بعد تبين ووضوح. وأما القاسطون وهم الجائرون الظالمون المجانبون للعدل والصلاح، فهم حطب جهنم جزاء أعمالهم، ولو استقام هؤلاء النفر من الجن والإنس على الإسلام لأسقيناهم ماء موفوراً نغدقه عليهم، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء، لنفتنهم فيه ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون (١).
وقد دلت هذه الآيات على أن الجن يجزون بأعمالهم خيراً أو شراً، وأنهم لا يعذبون في النار، وهذا مترتب على تكليفهم في الدنيا بفعل الطاعات وترك المعاصي، وإلا لما كان هذا العذاب للعصاة منهم، والثواب للطائعين منهم كذلك.
ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الجن مكلفون بنص القرآن، وأنهم هم والإنس في ذلك سواء، وأنهم سيحاسبون على هذا التكليف في الآخرة، فإن أحسنوا فلهم الجنة، وإن أساءوا فالنار مثواهم جزاء عادلاً من الله سبحانه. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات – ص: ١٧٦