للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي) (١) , وقال ابن حجر الهيتمي: (وجمهور الخلف والسلف أنه لم يكن فيهم رسول ولا نبي خلافاً للضحاك) (٢). وقال في موضع آخر: (ولم يبعث إليهم نبي قبل نبينا قطعاً على ما قاله ابن حزم) (٣). وإيمان الجن بالتوراة كما يدل عليه أواخر سورة الأحقاف كان تبرعاً كإيمان بعض العرب من قريش وغيرهم بالإنجيل، إذ لم يثبت أن موسى أرسل لغير بني إسرائيل والقبط، ولا أن عيسى أرسل لغير بني إسرائيل (٤). وقال القاضي بدر الدين الشبلي: (وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أنه لم يكن من الجن قط رسول، ولم تكن الرسل إلا من الإنس، ونقل معنى هذا عن ابن عباس, وابن جريج, ومجاهد, والكلبي, وأبي عبيد, والواحدي) (٥). وقال ابن مفلح الحنبلي: (وليس منهم رسول، ذكر القاضي، وابن عقيل وغيرهما) (٦) وقال ابن القيم: (ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولاً ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أخر ليس شيء منها للجن وهم: الرسل, والأنبياء, والمقربون، فليس في الجن صنف من هؤلاء بل حليتهم الصلاح) (٧).

أدلة الجمهور:

استدل الجمهور بالكتاب والسنة والإجماع:

أولاً: الأدلة من الكتاب: ومنها:

١ - قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى [الأنعام: ١٣٠].

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال: مِّنكُمْ وإن كانت الرسل من الإنس، وغلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث، وفي التنزيل: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: ٢٢]، أي من أحدهما، وإنما يخرج من الملح دون العذاب، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن، فمعنى: (منكم) أي: من أحدكم، وكان هذا جائزا، لأن ذكرها سبق. وقيل: إنما صير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة، والحساب عليهم دون الخلق، فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد، في شأن الثواب والعقاب – خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة، كأنهم جماعة واحدة، لأن بدء خلقهم للعبودية، والثواب والعقاب على العبودية، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا، فمنهم مؤمن وكافر، وعدونا إبليس عدو لهم يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم، وففيهم أهواء: شيعة, وقدرية, ومرجئة, يتلون كتابنا) (٨). وقال الألوسي: (ومنكم أي من جملتكم، لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم، ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معاً، بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها، وعلى أن تكون من الإنس خاصة، إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: ٢٢]، فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط. والفراء قدر مضافاً لذلك: أي من أحدكم) (٩).

وهذا هو تأويل الآية عند فريق من الجمهور، وهو منقول عن الكلبي وطائفة من السلف (١٠).

٢ - قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف: ١٠٩].


(١) ((الأشباه والنظائر)) (٢/ ٣٣٠).
(٢) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٦٦).
(٣) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٣/ ٢٦٤).
(٤) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ١٢٣).
(٥) ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: ٣٤)، ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٦١٨).
(٦) ((كتاب الفروع)) (١/ ٦٠٣).
(٧) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (١/ ٤١٦).
(٨) ((تفسير القرطبي)) (٧/ ٨٦).
(٩) ((تفسير روح المعاني)) (٨/ ٢٨).
(١٠) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>