للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: (وهذا رد على القائلين: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الأنعام: ٨]. أي: أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة, ولا جني, ولا ملك .. قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط, ولا من النساء, ولا من الجن .. قال العلماء: من شرط الرسول أن يكون آدميا مدنياً، وإنما قالوا آدمياً تحرزاً من قوله: يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: ٦]. والله أعلم) (١). وقال ابن القيم في الآية: (فهذا يدل على أنه لم يرسل جنياً, ولا امرأة, ولا بدوياً، وأما تسميته تعالى الجن رجالاً في قوله: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: ٦]. فلم يطلق عليهم الرجال، بل هي تسمية مقيدة بقوله: مِّنَ الْجِنِّ فهم رجال من الجن، ولا يستلزم دخولهم في الرجال عند الإطلاق، كما تقول: رجال من حجارة, ورجال من خشب ونحوه) (٢).

٣ - قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [النساء: ١٦٣]. وقوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت: ٢٧]. وذلك إخباراً عن إسماعيل عليه السلام.

فهذه الآيات قد أخبرت أن الله قد جعل النبوة في الرجال من البشر، ولو كان في الجن رسل وأنبياء لأخبر القرآن بذلك، والآيات السالفة إخبار من الله عن إبراهيم عليه السلام أن الله قد جعل النبوة في ذريته من بعده، قال القرطبي: (فلم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا من صلبه) (٣).

٤ - قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان: ٢٠].

فقد أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن الرسل الذين بعثهم قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والمقصود بذلك أنهم بشر، وليس في الآية ما يدل على بعث الرسل من خلاف الإنس.

٥ - قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: ٣٣].

قال الفخر الرازي: (وأجمعوا على أن المراد بهذا الاصطفاء إنما هو النبوة، فوجب كون النبوة مخصوصة بهؤلاء فقط) (٤)، فلا يدخل فيه الجن أو غيرهم من البشر.


(١) ((تفسير القرطبي)) (٩/ ٢٧٤).
(٢) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (١/ ٤١٦).
(٣) ((تفسير القرطبي)) (١٣/ ٣٤٠).
(٤) ((التفسير الكبير)) (١٣/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>