للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - مجموع الأدلة التي دلت على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى الجن، وهي كثيرة جداً، وقد تقدمت، وهذه الأدلة تفيد أن الرسل المبعوثين إلى الجن هم من البشر، كما هو الشأن في رسالة نبينا إلى الثقلين، حيث كانت دعوته عليه السلام شاملة للإنس والجن جميعاً، قال ابن تيمية: (يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، وأوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته .. وأن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى، كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول، وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين، وسائر طوائف المسلمين: أهل السنة والجماعة وغيرهم رضي الله عنهم، لم يخالف أحد من طوائف المسلمون في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم) (١). وقال أيضاً: (والآيات التي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم فيها خطاب لجميع الخلق من الإنس والجن، إذ كانت رسالته عامة للثقلين، وإن كان من أسباب نزول الآيات ما كان موجوداً في العرب، فليس شيء من الآيات مختصاً بالسبب المعين الذي نزل فيه باتفاق المسلمين) (٢) وقال ابن حجر الهيتمي: (وقد تساهل من قال: بأن رسالته صلى الله عليه وسلم – إلى الجن – اشتهرت اشتهاراً قريباً من الضروري بآيات القرآن، وشهرة عموم رسالته تدل على ذلك كمنكر الإجماع، وفي كفره خلاف مذكور في الأصول) (٣).

والأدلة على إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الجن إنما تفيد أن الرسل من البشر، ولو كان رسل الجن منهم لما كلف نبيه بقراءة القرآن عليهم وتبليغهم وإنذارهم، ولكانت هذه من مهمة رسول الجن إليهم.

٧ - قوله تعالى: إخباراً عن النفر من الجن الذين ولوا إلى قومهم منذرين بعد سماعهم القرآن من الرسول عليه السلام: إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف: ٣٠].

والذي نفهمه من هذه الآية أن هذا النفر من الجن كان منهم من آمن بموسى عليه السلام، مما يدل على أنه مرسل إليهم، قال القرطبي: (عن ابن عباس: أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى، فلذلك قالت: أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى .. قال مقاتل: ولم يبعث الله نبياً إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم) (٤) وفي هذا دليل على أنه لم يبعث إلى الجن رسولاً منهم.

ثانياً: الأدلة من السنة:

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود .. )) الحديث (٥).

فإخباره عليه الصلاة والسلام أن كل نبي من الأنبياء السابقين كان يبعث إلى قومه خاصة فيه دليل على أن الجن لم يبعث إليهم رسول منهم، وذلك أن القوم في اللغة: هم جماعة الرجل من الرجال والنساء، فتخصيص الحديث بعث الرسل السابقين إلى أقوامهم بقوله: ((إلى قومه)) فيه دليل على أنهم جماعة ذلك النبي من الناس دون الجن، إذ لم يعهد في اللغة إطلاق لفظ القوم على جماعة الرجل من الجن.


(١) ((إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)) (ص: ٣).
(٢) ((إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)) (ص: ٣).
(٣) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: ٦٩).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٢١٧).
(٥) رواه مسلم (٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>