للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣٢٠ - ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها) (١).

ونستخلص من كلام الشافعي رحمه الله أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين أن يتحقق في الشخص أمران:

الأول:

أن يتبع ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم. وهذا خاص بأمر الأحكام والمعاملات.

الثاني:

أن يقول بما تقول به جماعتهم. وهذا خاص بأمر الاعتقاد. والله أعلم.

والمقصود هنا الكلام على المراد بمعنى لزوم جماعة المسلمين. أما من هي الجماعة المراد لزومها فسيأتي له مزيد بيان وتفصيل في الفصل القادم من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

الحديث الرابع:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.

قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي – تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟

قال: نعم دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا.

قال: هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟

قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (٢).

قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) (قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج, والقرامطة, وأصحاب المحنة, وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم, ووجوب طاعته وإن فسق, وعمل المعاصي) (٣).

ونلاحظ أن النووي رحمه الله قد أورد هذا الحديث تحت باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة (٤).

وقال ابن حجر رحمه الله في ثنايا شرحه لهذا الحديث: (قال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين, وترك الخروج على أئمة الجور) (٥).

ثم ذكر قول الطبري بأن الأمر هنا في الحديث للوجوب، وساق ما ذكره الطبري من أقوال في المراد بالجماعة، إلى أن قال: (قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفرقة, ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر) (٦).

ويتبين لنا من كلام العلماء في شرحهم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمور:

الأول: وجوب ملازمة جماعة المسلمين.

الثاني: عدم الخروج على أئمة الجور.

الثالث: اعتزال الفرق عندما لا يكون للمسلمين إمام ولا جماعة.

الحديث الخامس:


(١) ((الرسالة)) للإمام الشافعي بتحقيق أحمد شاكر (ص: ٤٧٤ - ٤٧٦).
(٢) رواه البخاري (٣٦٠٦)، ومسلم (١٨٤٧).
(٣) ((صحيح مسلم بشرح البخاري)) (١٢/ ٢٣٧).
(٤) ((صحيح مسلم بشرح البخاري)) (١٢/ ٢٣٧).
(٥) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٧) ط دار الفكر.
(٦) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٧) ط دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>