للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليه الضلالة. ليتبين للعباد عدله، وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات، التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء) (١). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق - جمال بن أحمد بادي - ص: ٤٥

الدليل الخامس:

قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: ٣٠ - ٣٢].

يقول ابن جرير رحمه الله: (وقوله مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. يقول: ولا تكونوا من المشركين الذين بدلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه وَكَانُوا شِيَعًا يقول: وكانوا أحزاباً فرقاً كاليهود والنصارى) (٢).

ويقول ابن كثير رحمه الله: (فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومثل باطلة.

وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل صلى الله عليه وسلم، عن الفرقة الناجية منهم فقال: ((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي))) (٣).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ مع أن الدين واحد، وهو إخلاص العبادة لله وحده وهؤلاء المشركون، فرقوه. منهم من يعبد الأوثان والأصنام، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين، ومنهم يهود، ومنهم نصارى.

ولهذا قال: وَكَانُواْ شِيَعًا. أي: كل فرقة، تحزبت وتعصبت، على نصر ما معها من الباطل، ومنابذة غيرهم ومحاربتهم كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. من العلوم المخالفة لعلوم الرسل فَرِحُونَ به، ويحكمون لأنفسهم بأنه الحق، وأن غيرهم على باطل.

وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقاً، كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين، في التفرق، بل الدين واحد، والرسول واحد، والإله واحد.

وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها الله وربطها أتم ربط. فما بال ذلك كله يلغى ويبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية، أو فروع خلافية، يضلل بها بعضهم بعضاً، ويتميز بها بعضهم على بعض؟

فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان، وأعظم مقاصده، التي كاد بها المسلمين؟

وهل السعي في جمع كلمتهم، وإزالة ما بينهم من الشقاق، المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل الله، وأفضل الأعمال المقربة إلى الله؟) (٤). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق - جمال بن أحمد بادي - ص: ٥٢

الدليل السادس:


(١) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٣/ ٤٧٠).
(٢) ((جامع البيان)) (٢١ - ٤٢).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) (٣/ ٤٣٣).
(٤) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنام)) (٦/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>