للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المباركفوري رحمه الله عند شرحه للحديث: (قال العلقمي: قال شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم، لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف. وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم: أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية. انتهى باختصار يسير) (١).

وقال ابن أبي العز الحنفي في تعليقه على حديث الافتراق في (شرح الطحاوية): (فبين أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة) (٢).

وهذا ما عليه جمهور علماء السلف من أن المقصود بالفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة.

وأما الفرقة المخالفة لأهل السنة والجماعة فحكمهم مبني على مسألة (تكفير أهل البدع)، ولعلماء أهل السنة تفصيل طويل في هذه المسألة (٣) وخلاصته:

١ - أن البدع ليست على درجة واحدة، فمنها البدع المكفرة التي تخرج صاحبها من دائرة الإسلام، ومنها البدع التي هي أقل درجة، ولا تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام.

٢ - ونتيجة للتفريق السابق، فإن المحققين من أهل العلم لا يدخلون غلاة أهل البدع الذين بدعهم مكفرة ضمن الثنتين والسبعين فرقة، ويجعلون حكم الثنتين والسبعين فرقة – بناء على ذلك – حكم أهل الوعيد من أهل الكبائر والمعاصي من هذه الأمة الذين لهم حكم الإسلام في الدنيا، ويدخلون تحت مشيئة الله تعالى في الآخرة، فإن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم ثم مآلهم إلى الجنة. وهذا هو أمثل الأقوال في هذه المسألة، والله أعلم.

وفي حديث الافتراق فوائد عظيمة أشير إلى بعض منها:

الأولى:

دل الحديث على أهمية أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، والتمسك بسنته، والتزام طريقته، فالابتداع في الدين خطره عظيم، ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ضررها جسيم. ولذلك كان من أهم الضوابط التي وضعها الإسلام للزوم الجماعة: الحث على ملازمة السنة والتمسك بها، والنهي عن البدعة والتحذير منها.

وقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في حديث الافتراق أمرين:

أولهما:

البشرى بالجنة لمن اتبع سبيله، وكان على ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.

الثاني:

الوعيد الشديد لمن خالف هديه وسنته.

الثانية:


(١) ((تحفة الأحوذي) لمباركفوري (٧/ ٣٩٨). وانظر: ((عون العبود للعظيم آبادي (١٢/ ٣٤٠، ٣٤١) ط – المكتبة السلفية.
(٢) انظر: ((شرح الطحاوية)) (ص: ٣٨٣ - ٥١٢)، ط الثامنة، المكتب الإسلامي، وانظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٢٧).
(٣) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٣/ ٣٤٨ - ٣٥٤)، (٧/ ٢١٧ - ٢١٨)، و ((الاعتصام)) للشاطبي (٢/ ١٩٢ - ٢٠٦، ٢٤٦ – ٢٤٩، ٢٥٦ - ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>